يبقى المشهد الجماهيري في 30يونيو هو الملهم، فلم يتوقع أحد أن تقوم قائمة للمصريين بعد إنهاك دام سنتين أعقاب ثورة يناير2011، فآلية تغيير النظم في أدبيات التاريخ تستغرق عقودا طويلة بحساب الزمن، لكن بعد عام من تولي جماعة الإخوان حكم مصر بالالتفاف والخديعة أدرك المصريون خطورة المرحلة، فمصر صاحبة الحضارة المتأصلة بجذورها عبر آلاف السنين صانعة التاريخ تنسحب خارج نطاق التاريخ والجغرافيا، مما ولد شعور لدى عموم الشعب بالاِغتراب الحضاري والثقافي في وطنهم نتيجة ممارسات إخوانية بمفردات كانت غربية على مكونهم الحضاري والإنساني.
فقد جاء الأداء المفجع المتدني لحكم الجماعة في السنة القاتمة السواد، وما تبعه من إرهاب وتضيق للحريات وإقصاء كافة مكونات المشهد السياسي، لتفرزحالة ضبابية أدت لمعارضة شديدة القوة سريعة الاِنتشار من كافة أطياف المجتمع المصري.
وجاء القرار الشعبي بتصحيح المسار، لاسترداد ما اِختطفته جماعة الإخوان الإرهابية الذين شكل وصولهم للحكم وضعا كارثيا ليس للمصر فحسب ولكن للمنطقة العربية، وتحمل المصريون بصبر وجلد تحديات وتضحيات فاتورة درء الخطر عن الوطن والإقليم بأكمله، فقد شكل 30 يونيو بداية العد التنازلي لإنهاء وجود الجماعات الأصولية والإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط قاطبة.
ورغم تعرض مصر لأشكال من الاحتلال والأزمات والحروب عبر تاريخها الطويل، إلا أن ما بين يناير 2011 ويونيو 2013 كانت الحقبة الأخطر في تاريخها، فوصول الإخوان كان من أكبر المخاطر التي مر بها الوطن، ويكفي بالنظر لواقعنا الحالي الذي يموج بتغيرات شديدة القوة والسرعة أن نفهم الوضع الكارثي الذي كان سيؤول إليه حال وطننا لو استمر حكم هذه الجماعة.
وساد شعورعام بالخوف على الوطن الذي تحكمه جماعة متأخونة ، قفزت على هويته الثقافية والتاريخية بالغة الثراء والتنوع ،مستهدفة تفكيك مفاصل الدولة وإسقاط مؤسساته الوطنية ونشر الفوضى وإثارة الفتن وكان لا بدَّ من الخروج من النفق المظلم.
وجاءت ثورة 30يونيو بوعى جمعي، تحت شعار أرحل لتدوي في كل ميادين مصربأعدادا غفيرة، والجميع على قلب رجل واحد دون تنسيق أو ترتيب تحت حرارة الشمس الحارقة، كاسرين كل القيود، مخالفين جميع التوقعات متخطين كافة الحدود.
وكان للمشهد الثوري وجه آخر محفوف بالمخاطر، أهمه التخوف من حدوث أعمال عنف، وهو ماتصدت له المؤسسات العسكرية والأمنية بكل شجاعة وجسارة، وثانيها الموقف الدولي والإقليمي وتعقيداته، وثالثها موقف الاتحاد الأوروبي والدول الكبري خاصة الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لحكم الإخوان في ذلك الوقت وتحديات كبيرة، تصدي لها الاندفاع الشعبي الذي تخطى كل التقديرات والتَأْيِيد العربي من الأشقاء .
وشكل الحشد المليونى مفاجأة غيرمتوقعة وكانت الصدمة مدوية لجماعة الإرهاب الأسود فهم لم يعيروا أي اهتمام للرفض الشعبي وحدث الإنكار العام.
المشهد جلل والملحمة عظيمة دعمتها مؤسسات الدولة المختلفة على رأسها المؤسسة العسكرية، وهوانحياز ليس بالجديد على المؤسسة الوطنية وقادتها العظام ،ولا ننسى الدورالوطني للفريق عبد الفتاح السيسي آنذاك الذي تحمل مسؤلية الوصول بسفينة الوطن لبر الأمان ، وكان لوزراة الداخلية دورا بطوليا آخر في هذه الملحمة التاريخية وكان الثمن دماء خيرة الرجال.
وقدمت المحكمة الدستورية العليا ممثلة في المستشارالجليل عدلي منصور دورا كبيرا لن ينساه المصريون، وكانت المؤسسات الدينية حاضرة بقوة ممثلة في فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر دكتورأحمد الطيب، والكنسية ممثلة في قداسة البابا توضرواس بابا الإسكندرية وأدوار سجلها التاريخ في أنصع صفحاته.
وأمام مكونات المشهد المصري الفريد في الشوارع والميادين، وتحت راية الوطن ووحدة المصير، لم تستطع قوي الشر في الداخل والخارج أن تلتف حول الإرداة الشعبية والطوفان الكاسح، الذي كان بمثابة المخلص من سيناريو محفوف بالمخاطر ،وكانت نقطة مضيئة وسط الظلام الدامس المسمي بالربيع العربي في نسخته العربية ومشروع الشرق الأوسط الكبير في نسخته الإستعمارية.
وتظل 30يونيو ثورة الانتصار للهوية المصرية والدولة الوطنية المدنية.
منى أحمد تكتب: يونيو والثورة المليونية
