
في منطقة الكيلو ٤ ونص تتشابه البيوت، تغلق الأبواب على عائلات تحتضن مأساتها بين جدرانها، وفي منزل رضا، الذي تضمن سريرا خشبيا وأريكة للجلوس وموقد طعام بدائيا، اجتمعت الأسرة المكونة من ولد وأربع فتيات، كل منهم يحمل همًا وحزنًا بداخله حتى أقبل والدهم.

طويل القامة، عريض المنكبين، إسمرار بشرته وعيونه البنية وقوته البدنية، يجعلونك تشعر بهيبة أمامه، إلا أن نظرات الزوجة الحزينة لم تكن كذلك، فحملت بداخلها معاني حسرة ومعاناة من زوجها.
"أنا مش مدمن على فكرة أنا بشرب عشان أنسى الغلب اللي بشوفه من الناس"، هكذا كان رد رضا على زوجته التي ترمقه من الحين والآخر بنظرات قاسية بمثابة الرصاصة في جسده، بعدما اعتاد تعاطي مخدر الاستوركس، ما أفقده عقله وجعله يخرج عن صوابه في كثير من الأحيان، فاقدا وظيفته وحياته الأسرية.
صوت صراخ رضا يعلو بالغرفة، يبكي بحرقة، يضرب رأسه بكفيه من قلة حيلته، دموعه تنهمر في بكاء وعويل منه يشعرك بقهر الرجال فتبكي لتعاطفك معه، صوت أنفاسه يعلو ويتزايد ليكسر الهدوء الذي خيم على المنزل.
قسوة الظروف
يستجمع قواه قائلا: "أنا كنت بشتغل شيال، بشيل رمل وطوب وأطلع بيه ما يهمنيش، اشتغلت وقاسيت كتير، كان كل همي أجوز بناتي واسترهم عشان محدش يقول معرفش يجوز بناته، قدر ربنا حكم وعملت حادثة رجلي الاتنين اتكسروا وعملت عملية ركبت مسامير وايدي اتجبست مابقتش أعرف اشتغل زي الأول".
يكمل بكاءه ويستطرد حديثه صارخا:" أنا عشت غلب كتير، أنا بشرب عشان أعرف أعيش واشتغل وأجيب فلوس أجوز بناتي، بعدها ربنا يكرمني بأي حاجة، بس أهم حاجة أجوز بناتي وفاضل على جوازهم كام شهر ولسه ماجهزتهمش".

السيدات في المنطقة يحملن عبئًا وثقلا على صدورهن من أزواجهن الذين أدمنوا مخدر الاستوركس، فلم يقتصر الأمر فقط على تعاطي الحبوب المخدرة أو الحشيش، بل أصبح إدمان مخدر الاستروكس، هو لسان حال شباب المنطقة بالكيلو 4 ونص.
نظرة شفقة تنظرها رشا إلى طفلها الرضيع، تفكر في مستقبله الذي تحملت مسئوليته بمفردها، بعدما اتجه زوجها إلى عالمه الخاص في إدمان مخدر الاستوركس، ذلك الذي أفقده عقله ووظيفته، وعلاقته الأسرية، ليصبح الاستوركس بمثابة الكابوس الذي يخيم على حياة أسرة رشا وزوجها مسعد.
"عالجته كذا مرة ومعنديش أمل أعالجه تاني، عايزة أعيش أربي العيال بس"، حالة من الاستسلام تعيشها رشا برفقة أطفالها الأربعة، راضخة لحالة زوجها الذي يأتيها مساء كل يوم مغيب من تأثير المخدر.

بكلماتٍ تنفُس رشا عن غضبها قائلة:" الاستوركس بقى بيتباع في المنطقة زي أي حاجة، موجود في كل حتة، السيجارة بعشرين جنيه، أي حد بيلاقيها بسرعة وسهلة تتجاب، جوزي بقى بيبيع أي حاجة في البيت عشان يروح يشتريه بعد ما فلوسه خلصت".
تلمع عيناها لبرهة، تبحلق في طفلها الرضيع الذي تحمله، سارحة في خيالها وتتمتم قائلة:" متجوزين بقالنا ١٣ سنة، كان كويس معايا جدا ومع الأولاد وكان بيعمل كل حاجة حلوة، عشان كده صابرة عليه في اللي بيمر بيه".
انهيار أسرة طارق.. ووالدته: مبقاش واعي للدنيا
وفي منزل ليس ببعيد عن رشا، تجلس أم طارق تراقب ابنها، بدموع فرحة مختلطة بالحزن والأسى، تساعده في تناول أدويته التي وصفها له الأطباء في مصحة علاج الإدمان.
بابتسامتها الراضية وبملامحها الحزينة تبدأ في سرد حكايتها، التي بدأت منذ إحدى عشر عاما، وبمجرد ما تبدأ في السرد، تنهمر في البكاء من الأسى الذي عاشته.
تجفف دموعها بيدها وتستجمع كلماتها قائلة:" ابني كان ميكانيكي شاطر، كسيب، مشي مع الولاد الوحشة جروه لسكة الفودو ده او اللي بيسموه استوركس ضيع نفسه وحياته، ما بقاش واعي للدنيا".
"هو كويس وحنين" جملة قالتها أم طارق بالرغم من الغضب بداخلها من ابنها، بعدما اتجه إلى تعاطي مخدر الاستوركس، ثم أدمنه، لتنهار حياته، وحياة أسرته، ويتشرد أطفاله بعد هروب والدتهم وطلبها الطلاق لرفضها العيش معه، لتتركه هو وإدمانه برفقة أربعة أولاد تربيهم الجدة " أم طارق".

عودة إلى الحياة
تمكن الاستوركس من الابن، الذي تخلى عنه العالم أجمع، ومن أحلك ظلمات الإدمان، انتشلته والدته، واتجهت أم طارق إلى مستشفى الدمرداش لعلاج فلذة كبدها من الإدمان، لتكمل قصتها قائلة:" قالي يا ماما عايز اتعالج وابقى كويس"، يختبئ الابن خلف أحد الجدران باكيا إثر سماعه بكاء والدته، يمسح دموعه بيده، وبنظرات حزن وحسرة يصر على استكمال العلاج وترك حياته الماضية مع الإدمان خلف ظهره.