الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجديد في اليد اليمنى واليد اليسرى


أفردنا هذا المقال لصفة استخدام اليد، وهي جزء من ظاهرة أشمل في كل المخلوقات تسمى "الجانبية"، سنعرض أصلها العلمي وآخر الأبحاث فيها ، ونلخص ما توفر عنها من معلومات سابقة.

أشارت الاحصاءات العالمية إلى أن 85-90% من سكان الأرض يستخدمون اليد اليمنى، و 10-15% يستخدمون اليسرى، هذا إذا ما تركنا الأطفال على حريتهم وحسب ما تمليه عليهم أدمغتهم، أما لو تدخل الوالدان وأرغما طفلهما على استخدام اليد اليمنى قسرا، فقد تنخفض نسبة استخدام اليد اليسرى إلى 5 % وهي أقل نسبة أمكن تسجيلها في المجتمعات المحافظة، وعموما، لا يمكن محو ظاهرة استخدام اليد اليسرى وإيصال نسبتها إلى الصفر.

لأن الجينات الوراثية المختصة باستخدام اليد موجودة على الكروموسومات، ولا يمكن (طبيعيا) منع الجينات من أداء عملها.

وبالمقارنة بين الرجال والنساء، فإن نسبة الرجال مستخدمي اليد اليسرى أكثر من النساء بـ 23 %، ولم يعرف السر وراء ذلك، وفي بحث أجراه كاتب المقال بنفسه تبين أن صفة استخدام اليد اليسرى (التي هي أقل شيوعا) أوضح في التوريث من صفة استخدام اليد اليمنى.. سر تفضيل إحدى اليدين (والجانبية بوجه عام) يعلمه الخالق وحده، وكان بإمكانه سبحانه أن يساوي بين الناس في ذلك لكن لم يشأ. 

وأكدت أبحاث كثيرة على أن إرغام الطفل على تغيير يده المفضلة ينطوي على مخاطر كبيرة وإضرار بمهاراته ونموه العقلي فيما بعد، فقد يرتبك ويسوء خطه وتضيع منه مواهب كثيرة كرد فعل لهذا الإرغام، لأنها صفة مقررة على الأجنة من قبل الولادة كما ذكرنا، ففي بحث جديد تم مراقبة أجنة بتصويرها بالفيديو، وتبين أن 90% منهم يضعون أصابع اليد اليمنى في فمهم وهم داخل الرحم! 
 
والجانبية في جسم الإنسان لا تقتصر على تفضيل يد على أخرى بل تشمل نصف الجسم بأكمله: يد وقدم وعين وأذن وفك (أي مضغ أكثر على جهة) وخصية، وتمتد هذه الظاهرة لتشمل معظم الحيوانات وحتى الذباب.. نسبة استخدام اليد عند الشمبانزي مثل البشر تقريبا، والقطط منقسمة فيما بينها بنسبة 50 %، والكنغر الأحمر والذباب كله أيسر، والأسماك التي ليست لها أطراف، لديها جانبية في أعينها.

وكثير من الجزيئات الكيميائية كالأحماض الأمينية والسكريات منها أيمن وأيسر، ويؤثر ذلك على تفاعلاتها وسلوكها في الجسم. جانبية الجزيئات هي السبب في أن بعض الناس لا يفرق بين رائحة الكراوية والنعناع. 

لكن لماذا يشعر البعض أحيانا بالحرج من استخدام اليد اليسرى وقد أرادها الله في نسبة من خلقه ؟ ربما يرجع ذلك لسببين، أولهما التأثر بمشهد يوم القيامة، حيث يتلقى الصالحون صحائفهم بأيمانهم ويؤخذ بهم إلى الجنة، ويتلقى الفاسقون صحائفهم بشمائلهم ويساقون إلى النار، وورد في سورة الواقعة نص يصف الفريقين بأصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة.

 والسبب الثاني أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه، ويجعل يسراه لما دون ذلك، وأراد أن يحببنا في اليد اليمنى تيمنا وبشارة بما سيكون عليه الحال يوم القيامة، لكن تروي المصادر أن الخليفة عمر بن الخطاب وهو أحد المبشرين بالجنة كان أعسرا.. ولم يربط الفقهاء بين اليد المستخدمة في الدنيا وتلك التي ستأخذ الصحائف يوم القيامة. 

ونأتي للسؤال المهم الذي يشغل الكثيرين: هل ينعكس استخدام إحدى اليدين على أداء الشخص وكفاءته، وهل يتميز مستخدمي اليد اليسرى عن غيرهم في شىء ؟ الإجابة بنعم ولا في نفس الوقت، فهم أكثر إحساسا وإبداعا في الفنون ولوحظ أن نصف المبدعين منهم، وهم أفضل في الألعاب الفردية كالشطرنج والتنس، وأقل إصابة بالتهاب المفاصل، لكن أبحاثا أخرى مؤسفة نشرت عام 2014 تقول أن رزقهم أضيق نظرا لعصبيتهم وحساسيتهم الزائدة، وما يشاع عن حمايتهم من الأمراض غير صحيح، فهم أكثر عرضة للتوتر والأمراض العصبية والقرحة والإدمان وسرطان الثدي (بالنسبة للسيدات).

ورغم وجود نصف العباقرة والساسة الكبار من مستخدمي اليد اليسرى أمثال أرسطو ونابليون ونيوتن وأينشتاين وبتهوفن ومايكل أنجلو وليوناردو دافنشي وغاندي وأوباما وكلنتون وبوتين وغيرهم، إلا أن معاجم اللغة الانجليزية ظلمتهم حتى في تعريف الكلمة، فكلمة "يمين" في لغتهم تعني الصائب أو الصحيح، بينما كلمة "يسار" تعني المهجور أو المهمل، وهي إساءة غير مقصودة بالطبع.. وتشجيعا لهم، حدد يوم 13/8 من كل عام "اليوم العالمي لمستخدمي اليد اليسرى". 

إذن، تفضيل يد على أخرى هو جزء من تصميم إلهي أشمل في بنية الكون والمخلوقات، ولا يستدعي القلق أو التشاؤم، ويمكن توجيه الطفل الأعسر برفق، كما يسلم بيده اليمنى يمكنه أن يأكل بها أيضا، أما الكتابة والرسم والمهارات الأخرى فأجمع العلماء على عدم التدخل مطلقا في تحديد اليد التي تؤديها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط