الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حمدي قنديل.. ضمير القلم وسيد الكلمات


كثيرون هم الذين ينطوون وينزوون إما بفعل فاعل أو رغبة منهم في تجنب الصراعات والسكون، وما بين هذه وتلك يذهب الزبد جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض.

على عتبات برامجه، وعبر أثير صوته الرخيم، وأدائه الوقور، كانت القاعدة الأولى التي تعلمناها، مفادها أن الأستاذية ليست بحجم المؤسسة التي نعمل بها، فكثيرون ممن يعملون في مؤسسات ضخمة لكن قدراتهم المهنية والعلمية لا تتجاوز حجم متدرب في مؤسسات محدودة الإمكانيات والماديات، وعديد من الأساتذة مهنيون على قدر من العمق والمعرفة والتطور لكنهم مثابرون يحلقون نحو الحلم لينسجونه من رحم الصعوبات.. أقدارهم وأرزاقهم لا تتخطى أنصاف الفرص.

منذ أيام الجامعة وما قبلها، كنت كلما سمعته ينشرح صدري من أدائه وحجم قناعاته، وطريقته المميزة، تنهمر دموعي دون إرادة أو سبب أيضًا، ربما لرغبتي في أن أصل إلى قامته، أو حاله المتكرر مع الوقف والمصادرة.

العملاق الراحل حمدي قنديل، صودرت أعماله وبرامجه عشرات المرات وانتقل من مكان إلى أخر ومن شاشة إلى ثانية.

يحكي فيقول إن بدايته مع الوقف حينما كان تلميذا في الثانوية العامة بطنطا عام 1951 إذ تم رفضه من العمل بمجلة الإخلاص بسبب مقالة كتبها عن ترميم "يخت الملك" وتكلفته أكثر من مليون جنيه، ثم مصادرة نسخ مجلة اتحاد طلاب الجامعة وقتما كان يدرس في كلية طب القصر العيني بسبب انتقاد الأوضاع في الجامعة ورئيسها، ثم إغلاق جرنال البعثيين في سوريا، وبعدها بـ 4 سنوات برنامجه اليومي "أقوال الصحف" على التلفزيون المصري والذي أُغلق بعد 4 أيام فقط من بثه حينما طلب منه وزير الإعلام آنذاك التوقف عن البرنامج بقوله "استريح" بسبب أنه أذاع خبرًا عن الرئيس عبدالناصر في آخر البرنامج وليس في أوله، لكن عبدالناصر أنصفه وأخبره على لسان مدير مكتبه سامي شرف "روح قول اللي انت عايزه".

"الجماعة زعلانين".. حكاوي قنديل مع المصادرة لم تتوقف بل وصلت إلى قناة art حينما أُذيعت له آخر حلقة مع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لمدة 4 ساعات، أخبره بعدها الشيخ صالح كامل بالتوقف، ثم عاد إلى التلفزيون المصري، حتى أغلق "الدكان" وأوقف برنامجه "رئيس التحرير" بيده من على التلفزيون بعد غزو العراق، ثم عاد مرة أخرى، من شاشة قناة دريم ثم قناة التحرير حتى توقف في هدوء.

مثل الآلاف غيري كنت كلما سمعته أنصت إليه، وتعلمت منه، مرات ومرات انتظرت لقاءاته على التلفزيون المصري، ودريم، وحلقات "قلمه الرصاص" على دبي والليبية، والتحرير، حتى آخر لقاءاته مع الإبراشي والسناوي.

حاولت التقيه، وأحاوره، وأجالسه بارتياحية، لكن فرصة لم تسنح لذلك، إهمالا مني أحيانا وأخرى لضيق وقته وظروف سفره ومرضه المتكرر، حتى رحل في هدوء مشرف يليق بهامته وقامته وحسن نيته ووطنيته وتاريخه.

أستاذي، صاحب رصاصات القلم والصوت الرخيم.. احترمت مهنتك فاحترمك الجميع مرغمًا.. لم ترحل فكل تلاميذك أساتذة الآن يكتبون ويسطرون ما خطته يداك.. ونحن على ما يرام طالما أن ضمير هذا الكون يسكن في قلم مثل "قلمك الرصاص".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط