محمد عبيد يكتب: قاطرة التنمية

تتعدد الانتماءات والتوجهات والأفكار، وتؤثر في العديد من العوامل التي تتحكم في تقديراتنا وحساباتنا للعديد من الأمور، فكل الوزارت تنسب لنفسها منفردة أنها قاطرة التنمية للدولة المصرية، وفي أحد الاجتماعات مع قيادات وزارة المالية بحكم وظيفتي - والتي أدافع عنها وأؤمن بها- تحدثت فقلت :أن الصناعة هي قاطرة التنمية في الفترة الحالية والمستقبلية ، فكان الرد أن كلا في وزارته يقول: أن وزارته قاطرة للتنمية، فالصحة والصناعة والأمن والتعليم والثقافة والرياضة ....... الخ كلها قاطرات للتنمية.
كان الرد أكثر من رائع، ويعطي دلالة بأن الدولة تعي جيدا الوضع الحالي وتتعامل بحيادية وبمسافه واحدة مع كل الوزارات، وترى المشهد كاملًا بكل أبعاده، وأننا نرى دائما من زاوية ضيقة، وهي: مصلحة الكيان الذي نعمل به، أما هم فالإنجازات ومؤشرات العمل والنجاح تلك التي لها تأثير واضح على المجتمع وتخرج من خطة الدولة للتنمية المستدامة هي اللغة الحقيقية التي يعرفونها.
والآن أحيد نفسي وأقول : إن المرحلة الحالية تلزمنا بأن نعطي أولوية للتعليم المصري على كافة مستوياته، وذلك لأن التعليم هو نواة كل قاطرات التنمية في كل المجالات، فبدون تعليم جيد لن تكون هناك تنمية ، فالتعليم هو قاطرة التنمية المستدامة، ولو عدنا بالتاريخ خطوات غير بعيدة نجد أن مخرجات التعليم المصري في جميع المجالات كانت تقدر وتحترم اكثر من الآن في جميع أنحاء العالم، فالعامل المصري في هذه الفترة له سمعة مميزه بالعديد من المهارات والمعارف تلك التي تعطي تنافسية له في دول الخليج العربي، خاصة أكبر مستورد للعمالة المصرية كان يتقاضي أعلى مرتب مقارنة بنظيره من الدول الأخرى ، فالفلاح المصري في هذه الفترة كان يقال عليه خبير زراعي لما يمتلك من مهارات وخبرات وإتقان للعمل.
ومع الوقت وتطور أنظمة التعليم وخروج التعليم المصري من دائرة المنافسة أصبحت مخرجاته لا تتناسب مع التطور العالمي المعرفي والمهاري والتكنولوجي والتقني فأصبحنا نفقد المزية التنافسية لمخرجات التعليم المصري ، فانسحب البساط من العامل المصري وأصبح لا يتقاضى اعلى راتب مقارنة بما سبق، وأصبحت الجامعات المصرية خارج التصنيف الدولي.
وإننا نجد في العديد من التجارب الدولية ومن أهمها تجربة كوريا الجنوبية التي اعتبرت أن الاستثمار في العنصر البشري هو أحد أهم دعائم التنمية المستدامة ، وكانت من أهم عوامل نجاح التجربة الكورية ثقتهم أن العامل البشري هو القوة الخفية لإنجاح التجربة التنموية الكورية، آمنت وراهنت القيادة الكورية على مورد مهم وهو رأس المال البشري كمورد للتنمية، فاستثمرت بكثافة في التعليم ، وارتفعت نسبة الإنفاق على التعليم من 2.5% سنة 1951 لتصل إلى أكثر من 23% من الميزانية بحلول الثمانينيات والآن نجد كوريا الجنوبية وهي أحد أهم اقتصاديات العالم الحديث انطلاقًا.
من إيمان القيادة السياسة بأن التعليم هو سبيل النجاة للعديد من المشاكل الأمنية والاقتصادية والمجتمعية.... الخ ، والآن نستطيع بأن نقول أن هناك خطة واضحة وطموحة أطلقها الرئيس السيسي ، وصرح وأعطى توجيهاته للحكومة بأن عام 2019 هو عام التعليم فهل تستطيع الحكومة في ظل العديد من التحديات أن تحقق المستهدف وهو تطوير التعليم وأن يصبح فعليا قاطرة للتنمية المستدامة، وأن يكون حلًا للعديد من المشاكل الأمنية والاقتصادية والمجتمعية، وأن يكون قاطرة حقيقية للتنمية المستدامة.