الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عين جالوت وعكا وقبرص.. أبرز بطولات الجيش المصري في كتاب أستاذ آثار

صدى البلد

تمتلئ صفحات التاريخ بمئات التفاصيل والأسرار عن أحداث مرت، وربما لا نعرف عنها أكثر بكثير مما عرفناه وقرأناه، خاصة المعارك التي خاضها الجيش المصري عبر تاريخه والعصور المختلفة.

وهو ما أفرد له د.محمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق، صفحات عديدة في كتابه "الجيش والأسطول المصرى فى العصر الإسلامى"،الصادر عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر بالاسكندرية، ومنحته عنه جامعة المنصورة جائزتها التشجيعية.

وشهد العصر المملوكي عددا من أشهر المعارك المصرية، وعلي رأسها موقعة عين جالوت، حيث اضطربت أحوال الشام نتيجة لغزو المغول، إذ لم يمض على استيلاء هولاكو على حلب ستة عشر يومًا حتى أخذ فى الزحف على دمشق فدخلها المغول ونهبوها ثم ساروا إلى بعلبك، واتجهت طائفة منهم إلى غزة وخربوا بانياس. وكما يقول المقريزى أنهم أوسعوا البلاد حربًا وملؤوها قتلًا ونهبًا.

ولم يلبث أن وصل إلى السلطان قطز بمصر خطاب تهديد من هولاكو يطلب منه التسليم ويتوعده ويتهدده، لكن قطز لم يجبن أمام ذلك التهديد اعتمادًا على جيش مصر وفرسانه الشجعان،وقتل رسل المغول وعلق رءوسهم على باب زويلة،وفى الوقت الذى أخذ قطز يعد العدة للقاء المغول، اختار أن يوفد بيبرس على رأس مقدمة الجيش المصرى ليتجسس أخبار المغول.

وكان المغول قد وصلوا إلى غزة فلما وصل بيبرس انسحبوا من غزة فدخلها الجيش المصرى واستعادها،وبعد قليل وصل قطز ومعه بقية الجيش المصرى عن طريق الساحل قاصدين بحيرة طبرية، وأزعج ذلك الصليبيين فى عكا فخرجوا إلى السلطان قطز وعرضوا عليه المساعدة، لكنه شكرهم واستحلفهم أن يكونوا على الحياد لا له ولا عليه، وهددهم إذا هم اعتدوا على مؤخرة جيش المسلمين أن يعود إليهم ويقاتلهم قبل أن يقاتل المغول .

وفى موقعة عين جالوت التى دارت بين الجيش المصرى والمغول سنة 658 هـ/ 1260م تفوق المغول فى أول الأمر، لكن ثبت الجيش المصرى فى القتال وهجموا على المغول هجومًا قويًا، فقُتل قائدهم كتبغا وكثير من رجاله ومن تبقى منهم هرب أو وقع فى الأسر،وانتصر المصريون انتصارًا ساحقًا على المغول فى عين جالوت،بل إن الجيش المصرى قام بحركة تطهير سريعة فى البلاد فاسترد دمشق من المغول وقام بمطاردتهم حتى حلب، وأنقذت عين جالوت العالم كله حتى أوروبا من خطر المغول وجعلت دولتهم تقف عند حدود العراق.

وهناك أيضا موقعة وفتح عكا، حيث وصلت بعض جموع الصليبيين الجدد إلي عكا ينقصهم النظام والخبرة وضبط النفس، فاعتدوا على المسلمين خارج أسوار عكا،مما أنذر بتجدد الحرب بين المسلمين والصليبيين، ويقال أن السلطان قلاوون عندما رأى ملابس ضحايا المسلمين مضرجة بالدماء استشاط غضبًا، وأقسم على أن ينتقم لهم من الصليبيين.

وفى الوقت الذى أخذ قلاوون يستعد فى مصر والشام للقيام بعمل حربى كبير ضد الصليبيين فى عكا،إذا بالسلطان يموت فجأة سنة 689 هـ/ 10 نوفمبر 1290م،وتولى الحكم بعده مباشرة ابنه السلطان الأشرف خليل الذى بدأ يجهز الجيش المصرى على رأس حملة عسكرية قوية إلى عكا،وعندما علم الصليبيون حاولوا ثنيه عن عزمه، فأرسلوا إليه يسألون العفو لكن السلطان لم يقبل منهم ما اعتذروا به، وبدأ حصار المدينة ورميها بالمجانيق رميًا متواصلًا، واقتحم الجيش المدينة سنة 690 هـ/ 18 مايو سنة 1291م وفر كثير من الصليبيين إلى البحر وغرقت بعض سفنهم.

ومازالت مصر تحتفظ برمز وأثر عظيم تخليدًا لهذا الانتصار وهو باب مسجد الناصر محمد بن قلاوون بشارع المعز لدين الله بالقاهرة وهذا الباب مأخوذ من كنيسة سان جان فى عكا بعد انتصار المصريين على الصليبيين فى معركة عكا عام 690 هـ/ 1291م.

وثالث بطولات الجيش المصري في عهد المماليك كانت فتح جزيرة قبرص وسيطرة مصر على البحر المتوسط،حيث قام ملك قبرص لوزجنان بالهجوم على مدينة الإسكندرية عام 767 هـ/ 1365م، واختار يوم الجمعة والمسلمون بالمساجد ،وتمكنوا من دخول المدينة وانتشروا بها وقام هذا الملك بقتل كثير من أهالى الإسكندرية بمنتهي الوحشية، ونهبوا كل ما استطاعوا حمله من الإسكندرية وفروا عائدين إلى قبرص.

لكن المصريين لم يغفروا للقبارصة ما حل بالإسكندرية، وأخذوا يترقبون الفرصة المواتية للإنتقام والقيام بعمل حاسم ضد قبرص، ولهذا أرسل السلطان برسباى ثلاث حملات من الأسطول المصرى ضد جزيرة قبرص، تعتبر من أعظم الأعمال الحربية فى دولة المماليك وكانت الحملة الثالثة أعظمها، فقد خرجت من مصر سنة 829 هـ/ 1426م قاصدة قبرص حتى وصلت ميناء ليماسول،فبدأ الأسطول المصرى بمهاجمته والاستيلاء عليه ، وبعد أن قضى الجيش المصرى فى ليماسول ستة أيام قرروا الزحف إلى داخل الجزيرة على عاصمتها.

وفى تلك الأثناء كان الملك جانوس ملك قبرص قد جمع جيوشه واستعد لمنازلة المصريين،فدارت الموقعة الفاصلة بين الطرفين عند خيروكيتا إلى الشمال الشرقى من ليماسول،وفيها حلت الهزيمة بالقبارصة ثم زحف المصريون بعد ذلك على نيقوسيا عاصمة قبرص،وصلوا الجمعة فى كنيستها ثم غادروها بعد أن انتقموا لما حل بالإسكندرية،وبعد ذلك عاد الأسطول المصرى إلى مصر وهو محمل بالغنائم و10 آلاف أسير من جنود قبرص.

وكان بين الأسرى الملك جانوس نفسه الذى علقت خوذته على باب مسجد السلطان برسباى بشارع المعز، رمزًا لانتصار المصريين وسيطرتهم على البحر المتوسط،وظلت هذه الخوذة فى موضعها حتى دخول الحملة الفرنسية إلى مصر فاختفت، وظل جانوس ملك قبرص أسيرًا فى مصر حتى سنة 830 هـ/ 1427م،عندما أفرج عنه السلطان برسباى بعد دفع فدية كبيرة والاعتراف بالسيادة على الجزيرة للمصريين.