الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

آدم.. ونظرية التطور.. والحل الوسط


الكل يدرك أن هناك تضاربا بين نظرية التطور التي تقول إن الإنسان تطور تدريجيا من قرد، وبين الرسالات السماوية الثلاث التي أجمعت على أن البشر كله من نسل آدم وحواء، لكن مؤخرا بدا يلوح في الأفق حل وسط لهذه المعضلة.

وكان القرآن الكريم قد وجه أمرا صريحا بالبحث في كيفية نشأة الخلق "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق"(العنكبوت 20).. إلا أنه أمر معجز لم يتمكن بشر من فهمه حتى الآن.

وأرشدت آية أخرى إلى خطوة مهمة على طريق البحث والتأمل في بدء الخلق "وفي الأرض آيات للموقنين" (الذاريات 20)، بمعنى أن مفتاح الإجابة عن السؤال قد يكون التأمل في الأرض نفسها: فوقها أو تحتها، في صخورها وطبقاتها أو ما تحتويه من متحجرات.

وبالفعل، تركزت الأبحاث على طبقات الأرض ومحتوياتها وأزمنة كل منها وما تحتوية من كائنات متحجرة، كل طبقة تروي رواية مختلفة عن عصر مختلف، وأصبح لدى العلماء طريقة متطورة لقياس أعمار الطبقات والصخور والعظام والأزمنة التي تواجدت بها أشكال الحياة المختلفة، وذلك من خلال تقنية "عمر النصف الإشعاعي" لمادتي الكربون واليورانيوم.

يقول العلماء إن الأرض نشأت قبل 4.5 مليار سنة، لكن السؤال الأهم هو كم منها عمر البشرية؟ تشير الأبحاث إلى أن الحياة بدأت على الأرض في صورة كائنات دقيقة تطورت وتعقدت أشكالها مع الزمن حتى وصلت إلى ما نراه الآن من تنوع هائل في أشكال النبات والحيوان، ومن أشهر الكائنات التي عثروا على هياكلها العظمية الديناصورات التي انقرضت منذ 65 مليون سنة، وهياكل لمخلوقات ما بين الإنسان والقرد عمرها 50 ألف سنة.

ولا شك أن في نظرية التطور نقاط ضعف كثيرة، أبرزها أنه لو كان القرد قد تطور إلى إنسان، فلماذا بقيت قرود لم تتطور حتى الآن؟ ولماذا توجد كائنات وحيدة الخلية إلى يومنا هذا، وهي التي بدأت بها الحياة على الأرض منذ مليارات السنين كما تقول النظرية؟

ما اتفقت عليه الأديان السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية، هو أن آدم خلق من طين وخلقت حواء منه (أو من أحد أضلاعه)، عاشا في الجنة لفترة، ونزلا على الأرض بعد مخالفتهما لأمر إلهي بعدم الاقتراب من شجرة معينة والأكل منها، لكنهما عصيا الأمر وأكلا منها وعوقبا بالنزول إلى الأرض، ومنهما بدأ الجنس البشري كله، واتفق كثير من الفقهاء على أن نزولهما حدث ما بين 7-10 آلاف سنة من الآن، وفي تقدير آخر أن ما بين النبيين آدم ومحمد من 7-8 آلاف سنة، وهذا يختلف عن الملايين التي تتحدث عنها نظرية التطور وعلماء الجيولوجيا والحفريات.

في حديث رواه البخاري ومسلم أن سيدنا آدم كان طوله ستين ذراعا (20 مترا): "خلق آدم وطوله ستون ذراعا.... فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن"، ومع أن الحديث وارد في "الصحيحين" كما ذكرنا، إلا أنه لم يقنع فقهاء كبار مثل ابن حجر العسقلاني الذي وجده غير منطقي ولا يوجد في القرآن ما يؤيده، وقال حرفيا: "يشكل علي هذا، لم يظهر لي من آثار الأمم السابقة ما يزيل هذا الإشكال"، ويبدو أن ابن حجر كان محقا في هذه النقطة، إذ لم يعثر العلماء أبدا على هياكل عظمية بهذا الحجم أو متدرجة بعده في الصغر.

الهياكل العظمية التي انتشلت من جميع القارات والبلاد كانت متقاربة في الطول، وتوحي بأن الإنسان تفرع من شجرة القرود الكبيرة (الشمبانزي والغوريللا والأورانجوتان) منذ ستة ملايين سنة، ومن هذا التاريخ صعودا، لاحظ العلماء على الهياكل بداية المشية المنتصبة والكبر التدريجي لحجم الجمجمة (أي المخ).

كما لاحظ الباحثون أنه منذ 50 ألف سنة بدأت بعض سلوكيات التحضر تظهر على هؤلاء البشر مثل تغطية الجسم بجلود واستخدام النار والرسم على جدران الكهوف وصنع أدوات بدائية من الحجارة، وظهور عادات لم تكن موجودة من قبل كاستخدام السهم والإبرة والسنارة، وكانوا متواجدين قبل آدم بكثير.

أما مقارنة بصمة الحمض النووي لهذه السلالات من البشر البدائيين مع بصمة الإنسان الحديث فلم تكن حاسمة، صحيح أنه وجد تشابه بينهما في مناطق كثيرة من سلسلة الحمض النووي لكنها لم تقدم دليلا مقنعا، خصوصا أن الكائنات الصغيرة كالبكتيريا والحشرات والفئران تشارك الإنسان أيضا في أجزاء من بصمة حمضه النووي حاليا.
ويؤسس العلماء لنظرية جديدة قد تمثل حلا وسطا بين نظرية التطور ونزول آدم.. ترى هذه النظرية أن آدم نزل على الأرض وكانت عند مجيئه مأهولة ببشر بدائيين، لكنه اختلف عنهم في عدة أوجه أبرزها تعامله المباشر مع الذات الإلهية، وعلمه، وكونه أول نبي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط