الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مختار محمود يكتب: العبيد الجُدُد

صدى البلد


".. إننا نَتخلَّقُ بأخلاق العبيد، مهما بدا علينا من علائم الحرية وسماتِ السيادة، سأقولُ ذلك وأعيدُه ...، لعلهُ يطِنُّ في الآذان، فَيرنُّ صداهُ في الرؤوس، فتقرُّ آثارُه في النفوس".. نصًا من كلام فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة الراحل الدكتور زكى نجيب محمود، رحمه اللهُ.
لا تصدِّقْ أنَّ زمنَ الرقِّ قد ولَّى، وأنَّ عصرَ العبودية قد أدبرَ. فلكلِّ عهدٍ رقيقُه. ولكلِّ زمنٍ عبيدُه. لا علاقة بالقوانين والاتفاقيات الدولية بوجود العبيد واستمرار الرِّقِّ. هناكَ بشرٌ يضيقونَ ذرعًا بالحرية ويعانقون العبودية، ولدتهم أمهاتم أحرارًا، ولكنهم أرادوا لأنفسهم أن يكونوا عبيدًا. لا أحدَ فرضَ عليهم الاستعبادَ. هم من جعلوا من أنفسهم عبيدًا، وماسحى أجواخ، ولاعقى أحذية.
طائفة "العبيد الجدد".. تحملُ الشرَّ إلى الناس وتلاحقهم به، وتكرهُ لهم الخيرَ وتمنعه عنهم إنْ تمكنتْ، قلوبُهم تعجُّ بالضغائن والأحقاد، قد بدتْ البغضاءُ من أفواههم، وما تخفي صدورُهم أكبرُ، يحيطون ضمائرهم بأحزمةٍ ناسفةٍ مُتأهبةٍ للانفجار والتفجير فى أى وقتٍ.
"العبيدُ الجُددُ" ذوو نفوس موبوءة، يكذبون على كل الناس، حتى على أنفسهم، يُحبَّون الأوكارَ والطرقَ المُلتوية والأبوابَ الخلفية، يُحسنُون الصمتَ وعدمَ النسيان والانتظارَ، حتى يحققَوا أهدافَهم الشيطانية، لا تحكمُهم فضيلةٌ ولا تسكنُهم مكرُمةٌ. هم على النقيض تمامًا من الأحرار الحقيقيين، والإنسانُ الحرُّ هو القادرُ المُكتفي بنفسه في عزةٍ وكبرياءٍ، فلا هو يطغى بالضعيفٍ، ولا هو يخضع أو يخنع ذُلًا لبشر مثله، رئيسًا كان أو مرؤوسًا.
عبيد الألفية الثانية جنود مُخلصون مُطيعون لإبليسَ وذريته، يأتمرون بأوامره، وينتهون عن نواهيه، تطيبُ أنفسهم فى زمن المصائب، وتبتهجُ قلوبُهم وقتَ الكوارثَ. يبقى كلُّ شئ على ما يُرامُ، حتى يأتىَ العبيدُ. جيناتُ العبودية تحتاج "كونسلتو" طبيًا عالميًا رفيع المستوى لاستئصالها من تلك الطائفةِ الظالمِ أهلُها.. وغالبًا سوف يفشل فشلًا ذريعًا.
العبودية والطغيان وجهان لعُملةٍ واحدةٍ. الطاغية يخلق عبيدًا، والعبيد يصنعون الطاغية، لا وجودَ لأحدهما دونَ الآخر، وكلاهما عبءٌ ثقيلٌ على الحياة بشكل عام، والإنسانية بشكل خاص.
"العبيد الجدد" ينسحقون أمام شرطى صغير، ويخضعون أمام صغار المسؤولين والموظفين، ويركعون أمام كبارهم وأسيادهم ومن يحوزون المال والنفوذ خوفًا وطمعًا. وفى الوقت ذاته.. يتحولون وحوشًا كاسرة على الضعاف ومن لا يملكون من أمرهم شيئًا، يجسدون الشئ وضدَّه فى آنٍ واحدٍ.
إذا وجدتَ شخصًا شديدَ التعجرف مع الغلابة والبسطاء والضعفاء، كثيرَ الانبطاح أمام من هم أكبر منه منصبًا وجاهًا ونفوذًا، فاعلمْ أنه عضوٌ ناشطٌ فى منتخب العبيد الجدد.
المؤسساتُ الرسمية وغير الرسمية فى مصر، تبدأ بنوايا طيبة وتنطلقُ من مقاصدَ حسنة، حتى يأتىَ "العبيد الجدد"، فيفسدون كل شئ، ويدمرون علاقات العمل، ويملأون الصدور أغلالًا وأحقادًا، وينثرون بذور الفتن، حتى لا يبقى غيرُهم فى نهاية الأمر.
هذه الحالة من العبودية المُتجذرة فى صدور وأفئدة الطبقة الناشئة من "العبيد الجُدد" وراءَ كل إخفاق، وصاحبة كل نكسة، لم تحقق يومًا إنجازًا على أى صعيد. إنجازُها الوحيدُ والمُتكرر – من وجهة نظرها القاصرة- صناعة الأذى وصياغة الضرر وتنفيذ المؤامرة من الألف إلى الياء على الآخرين، وتحقيق أكبر قدرٍ من الاستفادة الشخصية، مهما كانت الوسيلة قذرة، فالغايةُ عندَهم تبررُ الوسيلة.
"العبيدُ الجُددُ" يستمرئون ضربَ المخالب، ويستلذون بوقع الأنياب، يتبادلون التهانى والتبريكات كلما حلَّتْ بأحدٍ مصيبة، أو وقع فى فخٍ، أو أصابه ابتلاءُ، أو وقعَ فى ساحته بلاءُ، هم العدوُ فاحذرهم، قاتلهم اللهُ.
لنْ تتقدمَ مصرُ على أىِّ صعيد، قبل تطهيرها من "العبيد الجدد"، الأمرُ ليس سهلًا، بل يتطلبُ إرادة جادة، ورغبة حقيقية، ولن يتم القضاء على آخر عبد، دون التخلص من آخر طاغية..