الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د / أحمد البهنسي يكتب: الحاجة لترجمة إسلامية لمعاني القرآن للعبرية

صدى البلد

صدرت مؤخرا ترجمة جديدة يمكن وصفها بـ(الإسلامية) لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية، عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، قام باعدادها البروفيسور أسعد نمر بصول، فلسطيني الأصل من مدينة الناصرة شمال فلسطين المحتلة، وأستاذ اللغة العربية والحضارة الإسلامية ورئيس دائرة الدراسات العربية في الكلية الأمريكية الإسلامية بولاية شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية. 

جاءت هذه الترجمة في 713 صفحة من القطع الكبير، ومزودة بعدد من الملاحق التي من شأنها إيضاح الكثير من الأمور للقارئ حول هذه الترجمة، لاسيما ما يتعلق بالحروف العبرية وما يقابلها من الحروف العربية، وكذلك أسماء الأنبياء والرسل بالعربية وما يقابلها بالعبرية، إضافة إلى ملحق حول موضوعات القرآن الكريم وألفاظه المختلفة.
كما تصدرت الترجمة بمقدمة تشرح مبنى القرآن الكريم ومعناه، وكيفية نزول القرآن الكريم من السماء والوحي به، وتدوين القرآن الكريم عبر مراحل مختلفة بعد جمعه، إضافة إلى شرح كيفية تقسيمه إلى سور وآيات مختلفة، كما تشرح المقدمة العلوم المتصلة بالقرآن الكريم التي طورها المسلمون في القرون الأولى من ظهور الإسلام لاسيما "تفاسير القرآن" والأساليب والمدارس المختلفة التي اتبعها المسلمون في تفسير القرآن والاعتناء بلفظه وحروفه واستنباط الأحكام المختلفة من بين آياته.
وقد أثار صدور هذه الترجمة عدة تساؤلات وقضايا علمية، كان في مقدمتها ما يتعلق بـ(مدى الحاجة لمثل هذه الترجمة والفوائد المرجوة منها)...ولا يمكن الإجابة على هذا التساؤل بدون العودة إلى المجهودات اليهودية المتعلقة بترجمة معاني القرآن الكريم إلى العبرية، فقد كان للعلماء والمترجمين والمستشرقين اليهود السبق في إعداد ترجمات عبرية لمعاني القرآن الكريم إما جزئية أو كاملة؛ لذلك فان تاريخ هذه الترجمات التي يمكن وصفها بـ(اليهودية) لمعاني القرآن الكريم للعبرية، يضرب بجذوره إلى فترة التواجد الإسلامي في الأندلس خلال العصر الوسيط، ثم أخذ يتطور خلال مراحل تاريخية مختلفة، ليتمخض في العصر الحديث عن أربع ترجمات عبرية كاملة لمعاني القرآن الكريم. وهي1- ترجمة ريكندورف: الصادرة عام 1875م في مدينة ليبزج الألمانية وقام بها الحبر اليهودي "حاييم هرمان ريكندروف" وكانت ترجمة جامدة جدا، وأعدها صاحبها على غرار العهد القديم، معتبرا أن القرآن اقتباس من العهد القديم، 2- ترجمة ريفلين: الصادرة في فلسطين عام 1936 وقام بها "يوسف ريفلين"، وجاءت تحت عنوان אלקוראן - תרגום מערבית (القرآن- ترجمة عن اللغة العربية)"، ولم تكن أحسن حالا عن سابقتها وهدفت إلى إثبات التأثير اليهودي على القرآن، 3- ترجمة بن شيمش: قام بها الدكتور أهارون بن شيمش وصدرت الطبعة الأولى منها في إسرائيل عام 1971، تحت عنوان הקוראן הקדוש תרגום חופשי ( القرآن المقدس.... ترجمة حرة)، وكان أبرز ما فيها اعتمادها ترقيما خاطئا لآيات القرآن الكريم؛ إذ قام صاحبها بترجمة كل خمس آيات مجتمعة ويجيء الترقيم في نهاية كل خمس آيات وليس في نهاية كل آية، 4- ترجمة روبين: تعد هذه هي الترجمة العبرية الأحدث والأهم عن القرآن الكريم، وقد صدرت عام 2005 عن جامعة تل ابيب، وقام بهذه الترجمة البروفيسور "أوري روبين" أستاذ الدراسات الإسلامية بقسم اللغة العربية بكلية الآداب – جامعة تل أبيب. ورغم كونها أفضل من الترجمات السابقة لها وأكثرها موضوعية، إلا أن صاحبها حاول من خلال الحواشي والتعليقات عليها إثبات أن القرآن مقتبس من المصادر الدينية اليهودية.
ولعل وجود كل هذا العدد من الترجمات العبرية التي يمكن وصفها بـ(اليهودية) للقرآن الكريم، كان من أهم أسباب الحاجة لوجود ترجمة إسلامية؛ إذ أن هذه الترجمات (اليهودية) التي تنتمي لمراحل تاريخية وسياسية مختلفة كانت مليئة بالأخطاء والتشويهات سواء في اللغة والمعاني أو حتى الأفكار وترقيم آيات القرآن الكريم، في مقابل غيات ترجمات (إسلامية) مقابلة، باستثناء ترجمة واحدة صدرت في فبراير 2016 على أيدي أحد مواطني عرب 48 ويدعى (صبحي عدوى)، من جانب مركز (بينات) للدراسات القرآنية، بالعاصمة الأردنية عمان.
فقد امتلأت هذه الترجمات اليهودية لمعاني القرآن الكريم بالكثير من الأخطاء التي هدفت لتشويه الصورة الحقيقية للقرآن الكريم، ووضعه في سياق الفرضية الاستشراقية اليهودية القائلة بأن القرآن مقتبس من الكتب الدينية اليهودية السابقة عليه لاسيما من العهد القديم، وفي هذا الصدد يقول صاحب هذه الترجمة البروفيسورر أسعد بصول (هناك الكثير من التزوير والتحريف لمعاني الآيات بشكل متعمد، وفي ترجمة ريفلين وجدت فيها إلى جانب التحريف والتزوير أنها مترجمة بلغة تلمودية صعبة جدا لا يمكن للقارئ العادي أن يفهمها، هذا عدا أن كل الترجمات اليهودية للقرآن إلى اللغة العبرية تحاول اثبات أنه من تأليف سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وفي حواشي الكتاب والتعليقات وجدت مكتوبا أن محمدا أخطأ هنا وهناك!)، وأاضف البروفيسور بصول (لما وجدت هذا التحريف والتزوير المتعمد، تواصلت مباشرة مع مجمَّع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم وعقدنا اتفاقية لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية واستغرق هذا المشروع نحو 13 شهرا، وقد مكثت في المدينة المنورة نحو شهرين من أجل مراجعة ومناقشة نسخة القرآن الكريم المترجمة للغة العبرية مع ثلة من العلماء والمسؤولين في مجمع الملك فهد الذين قاموا بترجمة القرآن الكريم إلى 72 لغة ولديهم التجربة والخبرة الواسعة في هذا المجال، ورغم أنهم لا يعرفون اللغة العبرية إلا أن لديهم الاطلاع والمعرفة الكاملة في كيفية التركيز على مواضيع معينة ومناقشتها في الترجمة).
وحول الحاجة من هذه الترجمة ومدى الفائدة منها، فإن هذه الترجمة تأتي أيضا في ظل تزايد الاهتمام اليهودي والإسرائيلي بالإسلام ومصادره الأساسية وفي مقدمتها القرآن الكريم خلال الآونة الأخيرة، لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وما تمخض عنها من أحداث وتطورات، وهو ما عبر عنه صراحة البروفيسور الإسرائيلي أوري روبين في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن الكريم للعبرية التي صدرت في تل ابيب 2005، والتي أشار فيها إلى أن هذه الترجمة جاءت لتلبية حاجة القارئ الإسرائيلي البسيط لمعرفة الإسلام عن قرب وخاصة القرآن الكريم، وأنها تحاول أن تقدم صورة تعكس التصور الإسلامي العام والأكثر شيوعا وقبولا للمسلمين عن القرآن الكريم للقارئ الإسرائيلي، وبالتالي لم يكن غريبا تزايد عدد اليهود الذين يعتنقون الإسلام داخل إسرائيل سنويًا، وهذا ما أشارت إليه الاحصاءات الرسمية الإسرائيلية التابعة لوزارتي الداخلية وشؤون الأديان، والتي أكدت اعتناق ما يزيد عن 100 يهودي رسميًا للإسلام سنويا، هذا بخلاف الذين يعتنقونه ولا يتسجلون رسميًا، وفق ما أشارت إليه صحيفة معاريف الإسرائيلية في عددها الصادر بمارس 2017، مؤكدة أن هذا العدد في تزايد مستمر، وبكل تأكيد وجود ترجمة عبرية (إسلامية) صحيحة وغير مشوهة عن القرآن الكريم، أمر يصب في صالح الدعوة الإسلامية الموجهة لأمثال هؤلاء اليهود وغيرهم.