الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة يوضح المعنى الحقيقي للزهد ودرجاته الثلاث

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن الزهد معناه: عدم التعلق، وكلمة عدم التعلق هذه تستوجب أن هناك شيئًا موجودًا، يقتضي أن أتعلق به، فمنعت نفسي ولم أتعلق به.

وأوضح «جمعة» عبر صفحته على «فيسبوك»: أما إذا كان الشيء غير موجود، يعني: أنا رجل فقير، وأقول: أنا زاهد في المال، ولكن لا يوجد معك مال لكي تزهد فيه!، الزهد يقتضي أنك تكون غنيًّا وتزهد في المال، فلا تحرص عليه، ولا تمل له بقلبك، ولا...، ولا... فإذن الزهد معناه: عدم التعلق بموجود.

وأشار إلى أن الزهد بهذه الكيفية هو زهد صادق، ولكن هناك زهد كاذب ويسمى «استفقار»، مثل الذي يقول لك: أنا لا أريد المال، وهو أصلًا لا يوجد عنده مال. قال تعالى -وهو يقرر قاعدة أخذها أهل الله بعد ذلك-: «لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» الاختيال والفخر، هذا ضد الزهد، القاعدة تقول: "لا تفرح بالموجود، ولا تحزن على المفقود".

وذكر علامات الزهد، وهي العلامة الأولى للزهد: ألا تفرح بالموجود، ألا تحزن على المفقود، فهذا الشخص قلبه مستقر، الله منحه وأعطاه، فلا يميل قلبه إلا لله، الله أخذ منه ما أعطاه، فلا يتأثر قلبه، ولا يغضب، ولا يحزن، وهذه أخذوها من الآية الكريمة، لأن أهل الله لا يوجد عندهم كلمة إلا اعتمدوا فيها على الكتاب والسنة.

وتابع: العلامة الثانية للزهد: أن يستوي عنده الذم والمدح، موضحًا: فأنا مؤمن بالله، فوجدت أحدهم قد ذمني على هذا الإيمان، ولا يهمني، ووجدت أحدهم قد مدحني على هذا الإيمان، ولا يهمني؛ لأن أنا سوف أؤمن بالله في الحالتين. مدحوا أو قدحوا، ولا يهمني؛ لأن هذا الإيمان لوجه الله، وليس لإغاظة أحد، وليس استجلابًا لرضا أحد، فالزهد هو هذا، هو الطمأنينة ، والسكينة ، وعدم التعلق ، وعدم الميل مع الوجود ومع الفقد. 

وأفاد بأن الزهد بهذا الشكل يترك ما يسمى بالأنس بالله، «وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى» هذه الآية تشعرك بالأنس، «مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ» لكن نحن نريد أن يكون لنا في الآخرة نصيب. 

وواصل: سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا المقام وهو الزهد قال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس». ولذلك عن ابن عمر قال: « كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ ». فعندما أزهد في الدنيا ربنا يحبني؛ لأني خرجتها من قلبي، لا أفرح بالموجود، ولا أحزن على المفقود، المعيار، القاعدة، وإذا أنا زهدت فيما في أيدي الناس، فأجد الناس تحبني، لأني لا أنظر لما في أيديهم، ولذلك في أحاديث توجيه المؤمنين في آخر الزمان، في حديث يقول: «اعط الناس حقهم، ولا تسألهم حقك». وهذه عملية تغيظ الحقيقة ، أنا هكذا لن اسأله حقي، قال لي: نعم لكي تنجو اعط الناس حقهم، لا أحد له في ذمتي شيء، ولكن أنا ليَّ عند الناس، قال: لا تطلبه، اتركه، «واسأل الله السلامة». يعني أنا أعطيهم حقي، ولن اطالبهم بحقوقي، وبعد كل هذا، أقول: يا رب سلم.

وأردف: هذا مبني على ماذا ؟ مبني لأنه: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ» لكن ربنا قال: «ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»، وقال تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ» فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو، يقول لك: أن تزهد فيها وهي معك؛ ولذلك قال تعالى: «وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»، فالهوى كلمة جامعة تدل على الميل، وضده الزهد، «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ» ميله وشهواته ومراداته وهكذا، فالحقيقة إن الزهد سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يوجهنا إليه ويأمرنا به فقط «ازهد في الدنيا يحبك الله». بل ضرب الأمثلة في حياته.

ولفت إلى أن سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- علمنا ما هو أوسع من الزهد، علمنا عدم التشوف، علمنا عدم الحرص على الدنيا، علمنا الصبر، علمنا منظومة متكاملة، ومنها الزهد، أنا أتذكر حديث السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، كانت تقول لابن أختها عروة بن الزبير : « إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ، وما أوقد في أبيات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نار».

واستطرد: قال عروة: فما كان يعيشكم؟ قالت: «الأسودان، التمر والماء». -العرب عندها عادة، إن عندما يأتي حاجتين متلازمتين، في مجموعة واحدة ، يسموهم باسم أحدهما، وهذا يسموه الملحق بالمثنى ،الأسودان، نفكها "أسود وأسود"، قال: لا، التمر أسود، لكن المياه ليست سوداء ، فعندما التزم التمر مع المياه، وهما الذي بهم قوام المعيشة حينئذٍ، مع هذا الصبر، وهذا الزهد، وهذا العطاء؛ لأنه كان يجيب لهم المؤنة بتاعتهم لمدة سنة، فتنتهي في شهر ، لأنه كان كالريح المرسلة، لا يرد يد سائل. يقول لك: العمران "أبو بكر وعمر". الحدثان " الليل والنهار". القمران "الشمس والقمر"....وهكذا ، هذا اسمه ملحق بالمثنى، ليس مثنى حقيقة، وسببه إن المثنى الحقيقي ينفصل إلى كلمتين مثل بعض، ولد وولد، بنت وبنت، يبقى ولدان، بنتان، مسلمان، مؤمنان. لكن هذا لا ينفصل إلى اثنين "الأسودان"-.

وأورد المفتي السابق، ما روي عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: أخرجت لنا عائشة رضي الله عنها كساءً ملبدًا، وإزارًا غليظًا -خشن - فقالت: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذين. الملبد وهو ما نقول عليه "المرقع".

ونبه على أن هذا سيد الخلق، قائد الأمة، وقائد الغر المحجلين، المصطفى المختار، قائد الجيوش، باني الحضارة، نبي الله، رسول البشرية، خاتم الأنبياء والمرسلين ، الأسوة الحسنة -صلى الله عليه وسلم-.

ونوه بأن رغم أنه -صلى الله عليه وسلم-كان قادرًا، وكان قادرًا على إنه يفرض فيطاع، فسيدنا أبو بكر أنفق في الإسلام 80 قنطار ذهب، ما يأخذ منهم شيء، وسيدنا عمر أنفق نص ثروته، وسيدنا عثمان جهز جيش العسرة -تخيل شخص واحد صرف على جيش-، وسيدنا عبد الرحمن بن عوف كان عنده قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، فكان عندهم لكن كان هناك زهد، وزهد عملي. فكان -صلى الله عليه وسلم- زاهدًا في ملبسه، في فراشه، في كذا إلى آخره، قالت عائشة: إنما كان فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي ينام عليه أدمًا حشوه ليفًا. يعني جلد محشو ليف وليس ريش نعام ، ولا قطن حتى، فإذًا سيدنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بالزهد، وعلمنا الزهد، وعاش الزهد. 

هل الزهد درجات؟، أجاب الدكتور علي جمعة، أن الإمام الغزالي يتكلم عن ثلاث درجات للزهد: الدرجة الأولى: أن يزهد العبد في الدنيا، وهو مشتهي لها، ولكن يمنع نفسه، والدرجة الثانية: أن يترك الدنيا طوعًا، ولكن يرى زهده، يقول: أنا زاهد منتبه لنفسه، والدرجة الثالثة: أن يزهد في الدنيا، ويزهد في زهده. فلا ينتبه لزهده، ويقول لك: أنا تراب ابن تراب.