الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشخصية المصرية وتأصيل الإنسانية


** أظهرت الروح الإنسانية لطبيعة الشعب المصري على اختلاف توجهاته عمق السلوك الإنساني الذي يكمن داخل الشخصية المصرية؛ التي تتسم بجذورها العميقة بالرحمة والمرونة في التعامل, والقدرة على التسامح والتعايش السلمي مع طبيعة المتغيرات اليومية, وأيضًا القدرة على النسيان, والتعامل مع بهجة اللحظة أو حزنها. 

المصريون هم أكثر الشعوب حرصًا على الاحتفاظ بالقديم, وأهمها التقاليد والعادات سواء كانت مشاركة في الأفراح أو مشاطرة الأحزان, وفي كلتا الحالتين يستطيع الإنسان المصري التكيف مع تلك الظواهر, حتى وإن كانت حدثت في يوم واحد, فالشخصية المصرية قادرة على استدعاء إنسانيتها الكامنة داخلها, والتعامل بها في رقي, والتغاضي عن أي جرح سابق. أيضًا يمكن عند البعض التغاضي عمن تسبب في صناعة الألم, إذا مر من تسبب في ذلك الألم بلحظة ضعف أو انتقل للرفيق الأعلى, حينها يردد البعض كلمات مشهورة لدينا في كل بيئات المجتمع المصري مثل "الله يرحمه" أو "عفا الله عما سلف" أو "هو بين يدي خالقه يحاسبه", ومنهم من ينادي باحترام حرمة الميت, والبعض يذكر مآسيه وإجرامه وتسببه في كثير من المصائب والكوارث.

أنا لست بصدد الغوص في تفاصيل محددة تكاد تنفجر داخلي, ولكن مجرد ذكر مآسي ما كان يفعلها الشخص المتوفي سواء في عالم الإجرام مشاركًا أو متسببًا أو مشجعًا هو أمر مرفوض عند البعض, الذي يعتبر ذلك عدم احترام لحرمة الميت, بينما ينادي البعض بذكر المآسي وعدم الترحم على صاحبها, الذي كان سببًا في إرتداء ثوب الحداد لعشرات الأسر, وطمس البهجة من الديار, ونزيف الدموع على الدماء الطاهرة التي سالت على تراب الوطن فداءً وتضحية. 

في الحقيقة أظهر موت الإخواني "د. محمد مرسي" -رئيس الجمهورية في عهد الإخوان- اختلاف طباع الشخصية المصرية واتفاقها على روح مبدأ الرحمة والإنسانية داخلها, فالفريق الذي تبني الترحم عليه برغم اختلافه مع توجهاته ومعارضته لإنتمائه الإخواني كان قراره أن "مرسي" انتقل للرفيق الأعلى, ولا يجوز إلا الترحم عليه, من منطلق للميت حرمة, ولا داعي للخوض في تاريخه, وتتردد الكلمة الشهيرة: هو مات وخلاص, ليكون الدافع الرئيسي لذلك المشهد هو طبيعة الرحمة في قلب الشخصية المصرية, أيضًا الفريق الآخر الذي رفض الترحم عليه من منطلق أنه طالما للموت حرمة فلحق الحياة حرمة أيضًا يجب الحفاظ عليها, وانطلق هذا الفريق يتناول التذكير بجرائمه مع الإخوان, وتسببه في ارتداء كثير من الأسر ثوب الحداد, وفقدان العائل والسند, وحرمان الأطفال من كلمة بابا, وكان الدافع الرئيسي لتلك الأراء هو طبيعة الشخصية المصرية؛ التي يوجد قطاع كبير منها يتبنى منطق مَن "لا يرحم لا يُرحم". 
 
إذًا هو منطق الرحمة الذي يحرك مشاعر الطرفين, والذي تتحلى به الشخصية المصرية بجذورها العميقة منذ فجر التاريخ, ولا يعني هذا الاختلاف في الحفاظ على التقاليد القديمة أن نتهم الشخصية المصرية بالتخلف أو الجمود, بدعوى مسايرة الواقع, وهو ما يتناقض مع أهم محاور الشخصية المصرية التي تسمو في مناخ التجديد والإبتكار والتطوير. 

لكن من أهم سمات الشخصية المصرية هو ذلك التناقض الذي يظهر في التعاملات, وتتركب عليه كثير من الأمثلة المتناقضة لحياتنا اليومية حسب كل موقف يمر به الإنسان المصري, ويختلف الأمر عند الأسرة الواحدة, والمثل الشعبي يُظهر ملامح الشخصية المصرية, لكنه لا يؤكد حقيقتها؛ لكثرة التناقضات في الأمثلة الشعبية التي تدور حول تجارب شخصية للبعض, فالمثل الشعبي هو قول مأثور يحمل نصيحة أو تجربة للاستفادة منها, وأحيانًا يمكن أن يفهم البعض روح الشعب وآراءه المختلفة في الحياة, ففي بعض الأمثال ترى أن "فى التأنى السلامة والعجلة الندامة" بينما مثل آخر يرى ضرورة الإسراع, ولا تكن كالسلحفاة, ومثل يقول "الرزق يحب الخفيّة", "واللي سبق أكل النبق", بينما ترى النقيض يقول لك "إجري جري الوحوش غير رزقك لن تحوش", ومثل آخر يخبرك بأن الذي من نصيبك ها يصيبك, ويظهر التناقض في مثل اخر يقول "النار لا تحرق مؤمن", وترى النقيض في مثل آخر يقول "المؤمن مصاب", تناقصات طبيعية لكنها لا يمكن أن تكون أهم ملامح التعرف على شخصية شعب من خلال أمثاله الشائعة. 


غير أن الصفة الثابتة في الشخصية المصرية هي روح الفكاهة؛ التي يتحلى بها في كل المواقف, كذلك الرجولة والشجاعة والصبر والتضحية والإقدام مع السلوك الانساني والتراحم, وهو يتطلب إفراد صفحات للحديث عنه لكن يبقى
أن نقول:
مصري وأفتخر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط