الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عمار يامصر !!


أتيحت لي فرصة شكر لكل من وفرها لي بالسفر إلى الغرب لأرى بعين رأسي عالما جديدا بكل مافيه. 
منذ أن وطأت قدماي فى رحلة التوقف الأولى مطار أثينا الدولي لم أشعر بالاغتراب بل إننى كما لو انتقلت من شارع إلى آخر فى موطنى الأول والأخير مصر فهناك الوجوه فيها الكثير من ملامح الشرق أوسطيون والمطار في حد ذاته لم يكن بالقدر الذي روج له الكثيرون وجعلونا نقلل من قدر مطارنا ، على العكس تماما تيقنت حينها أننا أخذنا خطوات فى بلادنا نحو محاولة اللحاق بالركب الدولي، بعد مضي ساعتين فى المطار وإجراءات التفتيش التى لم يزد عليها عن مطارنا الا خلع الاحذية ، وايضا الاحزمة وحينها نظر لى صديقى الذى اصرت فتاة المطار ان يعود ويخلع حزامه ويضعه على الطاولة المخصصة للعبور على جهاز التفتيش حينذاك قال لى وكله أسى لقد عبرت بحزامى هذا فى مطار بلادى ولم يلتفت أحدهم الى ذلك الاجراء ، فقلت له وانا بالطبع مستاءة لعدم انتباه سلطات مطار القاهرة لمثل هذه السقطة التفتيشية قلت له ربما فعلوها فى مصر عن قصد لاننا ابناء الوطن .

لفت صديقى انتباهى الى جدية الاشخاص فى المطار وانهم يؤدون واجباتهم وهم على استعداد تام للإجابة على كافة الأسئلة على عكس البعض فى مطارنا الذين يجيبون وهم اما ممتعضون واما طامعين فى عطاء مادى وكم كان هذا مخزيا، حاولت ان اقنع صديقى بخطأ ما يقوله وأيضا نجحت فى ان اغير الحوار إلى وجهة أخرى وهى ان النظام سارى هنا وهناك وان المواعيد تسرى بالضبط . جلسنا ساعتين فى انتظار موعد الطائرة التى ستقلنا من أثينا الى مرسيليا حيث مكان الدراسة التى ستستمر لتسعة أيام ، وجاء موعد اقلاعنا والابتسامة تعلو وجوه طاقم الضيافة كما عهدناهم فى مطار القاهرة ، على مدى ما يقرب من الساعتين طارت بنا الطائرة مع ملاحظة ان معظم من فى الطائرة فرنسيين ولا أدرى لماذا لم يستقلوا طائرات بلادهم ورجعت السبب للعنصر المادي لأننا علمت أن الطيران اليونانى أرخص الأسعار مقارنة بنظرائه في الاتحاد الأوروبي يليهم الطيران التركي وان اغلى الاسعار هى الطيران المصرى وهذا محير إلى حد ما . 
وصلنا مرسيليا ولاول وهلة ظننت اننى فى الاسكندرية فثمة رابط غريب بين المدينتين مع الاختلاف فى مناحى تتعلق بسلوك المواطنين وليس بالمكان، خرجنا من المطار مع الاسترشاد ببعض العلامات الموجودة فى كل مكان هناك وزدنا عليها بسؤال موظفى المطار سواء سألناهم بالفرنسية او بالانجليزية .

مطار مرسيليا لكونه مطار مدينة جنوبية تبعد عن العاصمة ساعتين بالطيران وثلاثة بالقطار السريع وخمس بالعربة لكونه مطار مدينة فقد كان صغير الحجم الا انه منظم وكل من فيه يعملون بدأب ونشاط. فور خروجى وانا وزميلى المصرى من المطار سمعنا لغة عربية منتشرة فى المكان وان اختلفت اللهجة واللكنة ، ذهبنا الى حيث هاتفتنا الجهة المنظمة لدورة العمل المختارين فيها وقالوا لنا تستقلون اوتوبيس وتنزلون فى مكان اخر وتركبون المترو الى مكان اقامتكم ونلتقى بكم غدا صباحا للبدء فى الكورس التعليمى .

حينما ذهبنا لشراء التذاكر وبينما اتحدث الى زميلى نظرت لى الفتاة التى نشترى منها التذاكر وقالت مصرية، فأحبتها بسرعة نعم ، فردت بلهجة عربية اعادتنى الى موطنى الذى افتقده وقالت انا جزائرية واحب مصر الى درجة الجنون ، ففرحت جدا بقولها واكدت لها اننا نحب الجزائر ونثمن كفاحها الطويل ضد المستعمر ، فطلبت منى ان اغنى لها اغنية عبد الحليم سواح او ان ادلها على الطريقة التى تسمعها بها ، فقلت لها صوتى سيء وهناك موقع على الشبكة العنكبوتية تضعى فيه ماتريدين فيتم فورا وبالفعل حققت لها ماتريد على هاتفها وكم كانت سعيدة بسماعها للعندليب .

تلقيت اول صدمة لى عندما دفعت التذكرة ووجدت انها تعادل ثلاث مئة جنيه مصرى ؛ وقالت لنا حافظوا عليها لانكم ستعودون بها الى المطار مجانا ، بعد خمس دقائق بالضبط جاءت حافلة وكأنها خارجة توا من المصنع كل مافيها جميل ونظيف ، الكل ملتزم بالاجراءات ونحن ايضا وضعنا التذكرة على ثمة جهاز سمح لنا بالمرور حيث جلسنا ومضت بنا الحافلة تنهب الارض نهبا اتابع انا من النافذة هذه المدينة التى تقول لك بكل مافيها ان قوة القانون تلزم الكل بالاتباع والالتزام ، وصلت الحافلة الى مكان المترو وهناك بصدق شديد لم اجد ان المترو يختلف كثيرا عن نظيره فى بلدى فقط فى طريقة الدفع فكلها اوتامتيكيا وليس بمحصل ، فى المترو ظلت عيناى تتنقل بين الأشخاص لأخرج بنتيجة واحدة وهى ان مارسيليا فى خلال اعوام قليلة لن يكون فيها فرنسى خالص النشأة فالافارقة ابتلعوا المدينة واصبحوا هم العنصر الاكثر انتشارا وحينها تذكرت ماقالت له صديقتى الجزائرية التى كانت على اتصال بى وتشرح لى طبيعة المكان وطريقة التعامل لانها تعيش فى فرنسا هى واسرتها وربما اجدادها، كانت تقول لى اننا جيل جزائرى على قناعة بأن نفعل فى فرنسا مثلما فعلت بنا ولكن بطريقة عصرية فنحن نحتل فرنسا بطريقتنا لاننا نرى اننا لنا الحق فى ان نسترد بعضا مما سلبته منا فرنسا على مدى اكثر من قرن من الاحتلال .. انتهت رحلتنا فى المترو ووصلنا الى حيث مكان الفندق وسألنا عنه ودلنا كثيرون اليه وبدأت ايامنا فى العمل وفيها ادركت ان هذه الشعوب لم تصل الى ماهى عليه صدفة او تدرجا ولكنهم يعملون ويتقنون ويتفانون فى اظهار عملهم فى احسن صورة يتشرفون بها.

أيام ورشة العمل أيقنت منها انهم يريدون ان يعلمونا بحب واخلاص كما انهم يحرصون على اظهار محبتهم وتواضعهم ايضا. تحركاتنا فى المدينة كانت معجما للاستفادة والتعلم كل شىء هنا يسير وفقا لمنظومة اجراءات متبعة بكل الالتزام والجدية ، الكل يمضى وفقا لتحركات عقارب الساعة ، الاستيقاظ مبكرا ، كافة المحلات تغلق ابوابها فى تمام الثامنة ومهما كان عرض المشترى فهم يرفضون اذا ماجاء وقت الاغلاق .
بالطبع لم تكن الصورة كما روجت لها الافلام والمسلسلات الغربية فهناك شوارع ليست بالنظافة التى توقعناها وهناك روائح تبول فى العديد من الشوارع وتحت الكبارى تشبه المعتاد لدينا فى ارقى شوارعنا . رحلتنا كانت لاتشمل الا وجبة الافطار ومن هنا كنت اردد فى كل وهلة عمار يامصر ، كل شىء هنا باهظ الثمن وبثمن سندوتش فقط وليس وجبة من الممكن ان تعيش اسرة مصرية اسبوعا كاملا. ايام تمضى ارى فيها ان كل التجاوزات يقوم بها وللاسف بنى اوطانى وان اختلفت بلدانهم .. وانا اوشكت على الانتهاء من رحلتى ولااملك سوى ان ادعو الله ان يخلق فينا مافى هذه الشعوب من روح الدين الكاملة فهل يستحب ربى ام اننا يجب ان نعد نفسنا للتغيير حتى يستحيب رب الكون ونصبح خير أمة أخرجت للناس ؟!!!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط