الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القناعة بالجهل!


"ما جادلت عالمًا إلا وغلبته وما جادلت جاهلًا إلا وغلبني"، هذا القول منسوب للإمام علي بن أبي طالب، ويدل على أن العاقل هو من لديه القدرة على الاستماع والمجادلة والاعتراف بالحق في مواجهة الرأي الآخر، والجاهل هو من ليس لديه القدرة على الاستماع إلى الرأي الآخر ولا يعترف به حتى ولو ثبتت له صحته.
وانتشار الجهل بين الناس تلخصه قصة بعنوان "التسامح"، للكاتب الهولندي "هندريك وليم فان لون"، وتحكي عن ناس كانوا يعيشون في وادي تحيط به التلال، وكان "الكبار العارفون" يعلمون الأطفال كلمات غامضة، ويقولون أنها كلمات كتبها الأسلاف منذ ألف سنة، ولا يتجرأ أحد على السؤال أو الاعتراض على أقوال "الكبار العارفين".

عاش الناس في وادي الجهل متجنبين الأسئلة عما وراء التلال المحيطة بالقرية والتي تحجب عنها ضوء الشمس، حتى لا يلقوا مصير كثيرين حاولوا قبلًا عبورها وكان مصيرهم الهلاك، حتى أقبل من الظلام إنسان وقف بينهم وقال: "اصغوا إلي وابتهجوا، فلقد ذهبت إلى ما وراء الجبال وعدت منها، ورأت عيناي أشياء عجيبة، وسمعت كلامًا مختلفًا عن ذاك الذي لم نسمع غيره من "الكبار العارفين" الذين يقرأون من كتب الأسلاف، ويقولون أن هذا الوادي لنا، أما ما خلف الجبال فللآلهة لا يقربها بشر، إلا أنني أقول لكم أن خلف الجبال مروجًا رائعة، فامشوا ورائي وأنا أقودكم، فإن الآلهة تبتسم هناك"، صاح الناس تعجبًا، وصاح الكبار العارفون: "زنديق.. يجب أن يعاقب، لقد فقد عقله، إنه يحتقر ما تمت كتابته قبل ألف سنة.. لقد استحق الموت"، ثم تناولوا أحجارًا ثقيلة وانهالوا عليه رجمًا حتى قتلوه، وألقوا جثته عند سفح الجبل.

حدث بعد ذلك جفاف ومجاعة شملت الوادي، لكن "الكبار العارفون" وعدوا الناس بالخير فهكذا تخبرهم كتب الأسلاف، وعندما حل الشتاء كان نصف سكان الوادي قد هلكوا من الجوع، وفي إحدى الليالي ثار الناس يريدون الذهاب وراء التلال، واحتج "الكبار العارفون" احتجاجًا ضعيفًا، لكنهم اضطروا للحاق بالمغادرين إلى المجاهل خلف الجبال، ومالبثوا حتى انفتحت أمامهم السهول الخضراء، وتذكروا ما قاله لهم العائد الذي رجموه.

انتهى ملخص القصة التي تحكي عن ناس يعيشون في وادي الجهل، محاصرين بجبال الفكر الديني التي وضعها السلف من تحريم للسؤال والنقد والفكر، ففصلوا القرية عن العالم، فانتشر الجهل مما سهل سيطرة الكهنة على الناس من خلال الخطاب القائم على المنع والتحريم.

وينتشر الجهل عادة في المجتمعات التي تعاني من الكسل الفكري فتتحول من مجتمعات فاعلة ومنتجة إلى مجتمعات مفعول بها ومستهلكة، ويدعم الاستبداد الجهل ويساعد على انتشاره بين الناس، والجهل لا يعني فقط عدم التعلم في المدارس والجامعات، فنظم التعليم تساعد أيضًا على انتشار الجهل بين المتعلمين عندما تعتمد المناهج التعليمية على الحفظ والتلقين وتلغي الفكر والبحث.

فمن أهداف التعليم أن يتعلم الإنسان كيف يبحث ويفكر، لأن القادر على البحث والتفكير هو القادر على الإبداع، ونتيجة انعدام البحث والتفكير أصبح الجاهل يحصل على درجات الليسانس والبكالوريوس والماجستير والدكتوراة، ويتحول الجهل معه إلى علم يعلمه للآخرين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط