الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نور الشيخ يكتب: المعارضة في زمن بيرم وسيد‎

الدكتور نور الشيخ،عضو
الدكتور نور الشيخ،عضو تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين

الشاعر بيرم التونسى والموسيقار سيد درويش لم يكونا من أهل الفن فحسب بل كانا من أهل الوطنية والنضال، فكانت لهما حياة قاحلة شديدة الصعوبة سياسيًا، لم يلبثا وإن دفعها ثمنًا باهظًا لحريتهما وأعمالهما الفنية فى مقابل وطنيتهما وإخلاصهما للهوية المصرية والعربية.

تواترت حكاويهما ومفارقاتهما حتى أصبحت موروثا سياسيا لهما لا موروثا فنيا، فقد اقتنع البعض أن من مقومات الفنان ممثلا كان أو شاعرا أو كاتبا بل كل مثقف وجب عليه أن يكون معارضا صلدا عتيدا، يقاوم الحاكم مهما كان سواء محتلا أو وطنيا مستبدا أو عادلا، طالمًا أنا مثقف إذًا أنا معارض.

المورثات بقدر ضرورة الحفاظ عليها، بقدر ضرورة فرزها جيدًا لتجنيب الطالح والحفاظ والبناء  على الصالح، فليس كل موروث صحيحا وإيجابيا كما فى الأمثال الشعبية يوجد فيها ما يستحق البقاء والعمل به ويوجد به ما يجب التخلص منه، فنضال بيرم وسيد لم يكن ضد حكام وطنيين، كان ضد الاحتلال الإنجليزي وحكام الملكية آنذاك، كان ضد القمع الحقيقى والاستبداد الحقيقى كان ضد الإرهاب المعنوى، فلماذا تواترت فكرة النضال والمعارضة حتى الآن بدون أن نعى أن الوطن حر غير محتل؟ مساحة الحرية والرأي كبيرة ولا يمكن تقليصها.

والموروث الأخر هو ربط الثقافة بشكل عام بالمعارضة، فكل شخص مثقف له رأي فى أمر عام هو مثقف حر  حتى أصبح كل معارض مثقفا، ولكن لماذا لا نضع تعريفا للمثقف غير التعريف الاصطلاحى الذى يستند عليه دعاة الثقافة والقائل ان المثقف هو من أقام المُعوَجَّ منه وسوّاه و ثَاقَفَ بمعنى  خَاصَمَهُ، لاَعَبَهُ بِالسِّلاَحِ، إِظْهَارًا لِلْمَهَارَةِ فِي الثَّقَافَةِ وَالْمَهَارَةِ.

فلما كان الموروث التراثى والثقافى من عهد بيرم والسيد هو المعارضة أصبحت المعارضة دليلا على الثقافة وليس العكس لا بد أن يكون الشخص مثقفا حقًا حتى يستطيع أن يفرز إذا كان هناك ضرورة للمعارضة أو إبداء الرأى أم لا.

هل كون الشخص بارعا فى التمثيل أو كتابة الشعر أو الروايات دلالة على الثقافة؟ هل كون الشخص بارعا فى الغناء والعزف الموسيقى والرسم دلالة على الثقافة؟ إطلاقًا فكل ما سبق هو مهارة وموهبة وليس ثقافة، الثقافة هى الاطلاع ونهم المعرفة، الثقافة هى تحصيل قدر أكثر من كافٍ عن المعلومات العامة المحيطة بنا وبالإقليم والعالم، الثقافة هى القراءة الكاملة لصورة ما، وليس كل رأى أحادى النزعة هو ثقافة، ليس كل غرض ما فى نفس يعقوب لم يتحقق يخلق معارضا يتذرع بحجة الثقافة.

فنرى المعارضين يروجون للعامة أنهم مثقفون بدليل أنهم معارضون، وكان من الأحرى بهم أن يدللوا على ثقافتهم بأمور ثقافية من معايير الثقافة فنراهم يرفعون رايات الحرية فى كل المحافل ولكن دون أن يثقفوا أتباعهم بمعنى الحرية وكيفية ممارستها، نراهم يتحدثون عن وجهات نظر خاصة بهم فقط من نسج خيالهم فقط دون الخوض فى مكونات هذا الرأى والدوافع التى تدعمه.

نراهم يتهمون المؤيد بالتطبيل والجهل والتبيعية والعبودية ولا يقبلون رأيهم ويطالبون الأخرين بقبول رأيهم والإيمان المطلق به وإلا يصابون بلعناتهم المباركة، لماذا يروجون أن رأيهم هو الصواب وكل ما دون رأيهم جهالة هل كان المثقفون الأوائل لا يستمعون ولا يقتنعون بغير آرائهم؟!

السادة المثقفون.. لا ضرورة لك بفرض رأيك على الأخرين ولكن الضرورة فى المصارحة مع النفس والإجابة عن عدة تساؤلات هامة، ما هى الثقافة؟ هل المعارضة دلالة على الثقافة؟ هل من الضرورى كى أكون مثقفا أن أعارض؟ ما هى المعايير التى وضعت حتى لا أعارض وأصبح مؤيدا؟ ما هى الحرية ؟ وهل هى المعيار الوحيد للديمقراطية المنشودة؟ وهل تجاوز اللفظ حرية؟ هل التهكم والسخرية حرية؟ هل عدم احترام الكبير والرموز والثوابت حرية؟  هل الترويج بأن رأيى هو الأصح وما دونه جهل حرية أم ثقافة أم تضليل ونفعية؟ هل رأيك أيها المثقف يحتمل الخطأ؟ أم المثقف معصوم؟.