الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا فاز Parasite بجائزة أوسكار أفضل فيلم في أول سابقة هوليودية؟


بعد مشاهدتي لفيلم  Parasite  أو الطفيلي والذي فاز هذا العام بأربع جوائز أوسكار من ضمنها أفضل مخرج وأفضل فيلمفي سابقة هوليودية لم تحدث وهي فوز فيلم غير ناطق باللغة الإنجليزية بأفضل فيلم. والفيلم انتاج جنوب كوريا وابطاله جميعهم من جنوب كوريا وكما شاهدنا في توزيع حفل توزيع جوائز الاوسكار تقريبا لا يتحدثون الانجليزية وكانت مع فريق عمل الفيلم مترجمة وأكثر ما أسعدني أنا شخصياِ أنهم شكروا الجمهور الجنوب كوري قبل كل شيء مؤكدين أنه سبب وجودهم. فلا وجود للعالمية دون سوق محلي قوي مثل سوق جنوب كوريا.

 

وقبل الخوض في تفاصيل الفيلم والتعليق عليه كان السؤال قبل مشاهدتي للفيلم والذي طرح نفسه تلقائيًا أمامي لماذا يأخذ الأوسكار فيلما غير أمريكي مع وفرة الإنتاج الأمريكي وحصاد شباك التذاكر؟ لهذه الدرجة هذا الفيلم متميز ليطيح بكل الترشيحات الأمريكية؟ هل هذا المخرج الجنوب كوري أفضل من المخرجين الأمريكيين؟  ثم قلت لنفسي جنوب كوريا هي الآن مركز الترفيه العالمي في آسيا ربما تتويجاًِ لمجهودها وتقديرًا لما تبذله ولمَ لا؟ ولكنها في النهاية تكهنات وتوقعات ولكن بعد مشاهدتي للفيلم تغير رأيي فالجائزة ليست رسالة هوليودد لجنوب كوريا كما تخيلت ولكنها رسالة أكاديمية الفنون الأمريكية المعروفة، باسم اوسكار، لهوليوود.

 

وكأن هيئة محكمي جوائز الأوسكار يصرخون في وجه سيطرة بعض أنواع الإنتاج الأمريكي على الساحة ومنها الخيال العلمي الصارخ وأفلام الأكشن غير المنطقية وكذلك الأفلام الوردية والأفلام  الفرانشيز الصاخبة أو المتسلسلة ومتعاقبة الانتاج وأفلام الأبطال الخياليين والتي أصبحت تأخدنا في طريق المسكنات الوقتية للحياة.

نشاهدها في مسارح السينما حتي تقوم بتشتيتنا بعض الوقت لنعود لواقعنا من جديد ونحن عاجزون عن تغييره لأننا في الحقيقة لا نعطي أنفسنا فرصة نفكر فيه بل نشتت أنفسنا عنه. هكذا أصبحت السينما كبسولة تشتيت. الجائزة هذا العام صادمة الاختيار للبعض ولكنها دعوة للمجتمع الهوليودي ومن يتبع خطاه أن يعيدوا النظر في اختيارات الانتاج بالبعد عن الصخب والاقتراب من الواقع أكثر والنفس البشرية المعقدة وهي دعوة وتذكرة في نفس الوقت بأن الفن روح ورحلة للغوص في النفس البشرية وأزماتها المختلفة قبل التفكير في صرخات بعيدة عنا نهرب بها من صرخاتنا الحقيقية.

 

قبل مشاهدتي لفيلم جنوب كوريا الطفيلي كانت تنتابني التساؤلات، أما الآن استطيع أن أقول إني سعيدة بقرار الأكاديمية باختيارها فيلم الطفيلي لمنحه جائزة  أفضل فيلم في سابقة لجوائز الأوسكار وأفضل مخرجسعيدة لأنه قرار تصحيحي بغض النظر عن جنسية الفيلم. سعيدة لأن الأكاديمية وجوائزها مؤسسة لها ثقل ووزن كبير في عالم السينما الأمريكية وقرارتها وقفة لا يستهان بها وخاصة في وجود شركات إنتاج أصبحت بمثابة دول في سيطرتها على الأسواق الأمريكية والعالمية. العودة إلى عالم النفس البشرية بهدوء وتعقل والتركيز على ردود أفعال البشر الصادقة مهم والعودة للمشاكل الاجتماعية والفروق الطبقية ومحاولة فهمها وليس حلها رسالة ومضمون هام للفن.

 

وبالنسبة لجنوب كوريا ومن خلال مشاهداتي السابقة لبرامج قنواتها التليفزيونية وأفلامها السينمائية وحضور بعض معارض المحتوى الآسيوي في القارة الآسيوية من خلال عملي السابق، أؤكد على أن جنوب كوريا تتربع منذ سنوات على عرش المحتوى التليفزيوني والسينمائي ليس في جنوب كوريا فقط بل وفي الصين وأغلبية الدول الآسيوية وتتويجها بجوائز الأوسكار هو حصاد لمجهود عظيم وكبير ولم يأت بين ليلة وضحاها بل هو جهود مضينة لسنوات طويلة ولسوق متكامل كان يدفع بنفسه في جميع الاتجاهات حتى تربع على القارة الآسيوية وفي عام ٢٠٢٠ قررت أكاديمية الفنوت الأمريكية أن تشير للعالم بأجمعه على مجهود سنوات لجنوب كوريا.

 

أعتبر الإطاحة بجائزة أفضل فيلم لصالح فيلم من جنوب كوريا له رمزية خاصة وهو تخلي الأكاديمية عن الانحياز التام الدائم للفيلم الأمريكي المسلم بتربعه على أفلام العالم من خلال حصاد شباك التذاكر أو من المنصات الديجيتال ذات ملايين المشتركين. ليست هذه كل معايير الحياة الفنية وانتاجها. الفن مضمون ورسالة وليس تيارات تأخذنا نحو الرائج وهو ليس بعملية استهلاكية بحتة.

 

ولا أود هنا حرق أحداث الفيلم لأن به متعة كبيرة في اكتشاف الأحداث تدريجيًا والتدقيق في الشخصيات وتخيلها بالرغم من نمطيتها إلى حد ما ولكن سوف أتوقف عند اسم الفيلم Parasite  أو الطفيلي. وهنا تكمن حبكة  الفيلم وأحداثه فحولنا طفيليات أو أشخاص يحملون صفات الطفيليات قد نراها أو لا نراها والمعروف أن الكائن الطفيلي لا يعطي انطباعًا ايجابيًا لأنه ليحيا عليه أن يعيش على كائن أخر، هكذا بعض البشر وقصصهم وهذا هو ما تدور حوله أحداث الفيلموالسؤال الأكبر في الفيلم هل أنت تعيش في خطة شخص طفيلي أم لا؟ وقد يقودك الفيلم إلى التفكير ما هي الشخصيات الطفيلية التي أعيش في خطتها؟ فهذه الطفيليات كي تعيش كما يشير الفيلم تعيش في حالة وضع خطط مستمرة وإلا تموت.. وخططها قد تؤدي إلى جرائم.

 

وفي حوار عبقري وصريح مع النفس بين شخصية الأب الطفيلي وابنه، الابن يسأل أباه عن الخطة؟ فيرد الأب أتعرف ما هو نوع الخطط التي لا تفشل؟ الخطط التي لا وجود لها. أتعلم لماذا؟ لأنك إذا وضعت خطة لن تسير كما خططت. فالطفيلي لا يعيش دون خطة لأنه سيموت دونها ولكن للأسف خطته تربك الحياة وتحيدها عن مسارها وتؤدي إلى كوارث كما حدث بالفيلم. وفي لحظة صدق يعترف الأب لابنه أن الحياة دون خطط أفضل لأن الحياة تسير في مسارها الطبيعي دون التدخلات الطفيلية للأخرين.

 

الفيلم يستحق المشاهدة لخياله المعقد والبسيط معًا وليس معنى أنه من جنوب كوريا أو لأننا تعودنا على الأفلام الأمريكية  إننا سنشعر بغربة عند مشاهدته، ستفاجأ بقربه وبقرب شخصياته وانماطهم ستفاجأ بالرسائل واللغة السينمائية الراقية البسيطة في المشاهد كطلوع السلالم والنزول منها ستجد تفاعل الطقس مع الشخصيات في المشاهد كما درست في الأدب الإنجليزي.

 

تحية للأكاديمية الأمريكية للأفلام لاختيارها الفيلم الجنوب كوري الطفيلي لأنه تذكرة ورسالة نحتاجها في بداية عقد جديد لانتاج أفلام السينما العالمية. وقد يبدأ معه انتاجا سينمائيا يمس النفس البشرية والتي هي أساس كل شيء في البداية والنهاية قد تكون الجائرة لفيلم الطفيلي خط انتاج لأفلام جديدة نتجاوب معها انسانيًا ونفكر معها في انسانيتنا وما وصلت إليه بإيجابية ولا نهرب منها ونعاقبها بالصخب حتي نهرب منها لأننا نخشى واقعا نهاب مواجهته.

 

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط