قصة طير الأبابيل وأصحاب الفيل..تناول القرآن الكريم في جنبات سوره وضمن آياته الكريمة قصص أمم وأقوام سابقين،وذكر مواقف وأحداثًا مرت لقرونٍ خلت، وما دار مع هذه الأمم في تلك القرون؛ بغية أخذ العبرة والعِظَة منها، ومن بين هذه القصص:قصةأصحاب الفيل،وترصد لكم « صدى البلد» أحداث هذه القصة بالتفصيل.
كيف بدأت القصة؟
بدأت القصة عندما قام أبرهة الأشرم ـ وهو قائد جيش الحبشة آنذاك ـ ببناء كنيسة كبيرة وعظيمة وأسماها القليس، وذلك ليحرف مسار حج العرب إليها بدلًا من البيت الحرام، إلا أن رجلًا من بني كنانة قام بفعل مشين فيها فقد تغوط في الكنيسة، الأمر الذي أغضب أبرهة كثيرًا وجعله يقسم بأن يذهب إلى مكة ليهدم الكعبة، إنتقامًا لما فعله ذلك الرجل بكنيسته، لذا قام بتجهيز جيشًا جرارًا، يضم الكثير من الفيلة، وسار به إلى أن اقترب من الوصول إلى مكة وهناك قام بإرسال رسله لأهالي مكة يخبرهم أنه لا ينوي قتالهم وأن كل ما يريده هو هدم الكعبة فقط.
اقرأ أيضاً/قصة أصحاب السبت وسر تحولهم إلى قرود.. الإفتاء توضحها
موقف أهل مكة:
في البداية أغضب هذا الأمر أهالي مكة كثيرًا إلا أنهم أدركوا في ما بعد أنه لا طاقة لهم بقتال أبرهة وجنوده، فتركوه، و قبل أن يدخل أبرهة وجنوده مكة أمرهم بأن يقوموا بنهب كل ما يجدونه أمامهم من أموال، وكان من ضمن ما نهبوه مئتا بعير لعبد المطلب بن هاشم جد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعد ذلك أمرهم بأن يأتوه بشريف مكة، فأحضروا له عبدالمطلب، وعندما وصل إلى هناك دهش أبرهة من مظهره، فقد كان عبد المطلب رجلًا جسيمًا ووسيمًا ذو هيبة ووقار، فأجلسه بجانبه وسأله عن حاجته، فقال له عبدالمطلب: "حاجتي أن يرد علي الملك مئتي بعير أصابها لي"، فتعجّب أبرهة من طلبه وقال له : "تكلمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه؟".
ماذا فعل عبد المطلب بن هاشم؟
أجابه عبدالمطلب أبرهة قائلًا: "إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه عنك"، فقال له أبرهة: "ما كان ليمتنع مني"، فأجابه عبدالمطلب: "أنت وذاك"، وبعد ذلك رجع عبدالمطلب إلى قريش وأخذهم معه ليشكلوا حلقة حول الكعبة حتى يدعوا الله ويستنسصرونه ليحمي الكعبة.
اقرأ أيضاً/قصة قابيل وهابيل في القرآن.. الإفتاء توضح في 10 سطور
بماذا انتهت القصة؟
توجه أبرهة وجنوده إلى الكعبة لهدمها، إلا أنهم لم ينالوا مرادهم، فقد أتى أمر الله بإهلاكهم، بحيث بعث لهم طيورًا تحمل أحجارًا طينية صلبة لترميهم بها، وبعد فترة وجيزة من رميهم بتلك الأحجار لم يلبثوا إلا أن أصبحوا كأوراق الشجر الجافة والممزقة، وهزم أبرهة وجنوده شر هزيمة، والطيور التي كانت تحمل تلك الأحجار تسمى طيور الأبابيل.
معنيطير الأبابيل:
كلمة الأبابيل في اللغة تعني سربًا وراء سرب، متتابعة ومتجعة، وقد اختلفت الروايات حول وصف تلك الطيور، فالبعض قال بأنها طيور لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب، ورؤوسها كرؤوس السباع، أما ألوانها فهي تتعدد بين الأسود والأبيض والأخضر، وتمتلك مناقير صفراء اللون، ومنهم من أعتبرها الخطاطيف.
معنى الطير الأبابيل:
ذكر المفسرون أنها طير تكون في جماعات عظيمة، جاءت من السماء لا أحد يعرفها من قبل ولم تُرى بعد تلك الحادثة، وهي متتابعة تأتي إثر بعضها بعضًا، وقيل: إنها متفرقة كانت تجيء من كا الجهات، وجاء الاختلاف بمعنى كلمة أبابيل فقيل: جمع للتكثير مفرها إبلك وجمعها أبابيل للدلالة على أنًها تأتي متفرقة، وقيل: إنّها جمع ليس له مفرد قياسًا على كلمة عجول، وقيل: إنها ليس لها مفرد من لفظها، ومعنى الكلمة مأخوذ من الإبل المؤبلة أي في قطعان.
مكانة الكعبة المشرفة:
الكعبة المشرفة لها مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، فهي مقصدهم لأداء فريضتي الحج والعمرة، والصلاة في البيت الله الحرام تعدل ألف صلاة، في أفضل بقاع الأرض على الإطلاق بإجماع فقهاء المسلمين، وهي قبلة المسلمين لإداء الصلاة في كافة أرجاء المعمورة، وقد أثنى الله تعالى في كتابة العزيز على بيته الحرام قال تعالى: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ».
مكانة البيت الحرام:
البيت الحرام هو أعظم وأقدس مكان على وجه الأرض، فقد جعله الله حرمًا آمنًا يقصده الناس منذ قديم الزمان للحج، فحتى العرب في أيام الجاهلية كانوا يذهبون إليه للحج، وقد جعل الله جل وعلا لهذا البيت مكانة خاصة ليست موجودة في أي مكان سواه، لذا فإنه سبحانه وتعالى تكفل بحمايته ودرء أي اعتداء قد يقع عليه، وفي مقالنا هذا سنتعرف على قصة الإعتداء على بيت الله الحرام، وكيف حماه الله تعالى من هذا الاعتداء، وذلك كما ورد في سورة الفيل في قوله عزوجل : "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ*تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ".
عام الفيل:
عام الفيل هو العام الذي جاء فيه أبرهة الأشرم بالفيلة؛ ليهدم الكعبة المشرفة، حيث عبأ جيشه في منطقةٍ اسمها المغمس وتهيأ للدخول، ولما أصبحوا جاهزين للدخول، جاء رجل اسمه: نفيل، وهمس في أذن الفيل قائلًا: (ابرُك محمود، فأنك في بلد الله الحرام)، فبرك الفيل ولم يتحرك، فوجّهوه إلى اليمن فقام الفيل يهرول، ثم وجهوه إلى البيت الحرام فبرك، ثم وجهوه إلى الشام فقام يهرول، ووجهوه إلى المشرق ففعل نفس الشيء، وبينما هم يوجهونه إلى الحرم، وإذا بطيرٍ قد أرسلها الله تعالى من جهة البحر، يحمل كل واحدٍ منها ثلاثة أحجارٍ؛ اثنان برجليه وواحدٌ بمنقاره، حتى إذا غشيت أبرهة وجنوده، ألقت عليهم الحجارة، فما أصابت منهم أحدًا إلا أهلكته، وأخذ القوم يموج بعضهم في بعض، ويتساقطون في كل طريقٍ ويهلكون في كل مهلك، وأما أبرهة فسلط الله تعالى عليه داءً في جسده؛ فتساقطت أنامله وانصدع صدره عن قلبه وهلك، ومن الجدير بالذكر أنّ الله تعالى قد أخبرنا عن هذه القصة في سور الفيل.
تفسير سورة الفيل:
قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ»: يذكر الله تعالى لنبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- ما حدث لأصحاب الفيل، وهم الذين قدموا من اليمن بقيادة أبرهة الأشرم؛ لهدم الكعبة، فيقول: ألم ترى يا محمد بعين قلبك ما حصل لهم.
قوله تعالى: «أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ»: أي أن الله تعالى جعل كيدهم في تخريب الكعبة في تضليلهم عما أرادوا.
قوله تعالى: «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ»: أي أرسل عليهم طيرًا متفرّقةً، يتبع بعضها بعضًا من نواحٍ مختلفةٍ، وقد فسّر بعض العلماء ومنهم قتادة الأبابيل؛ بالطير الكثيرة، وقال مجاهد: (هي شتى متتابعةٌ مجتمعةٌ)، ومن الجدير بالذكر أنّ العلماء اختلفوا في وصفها؛ فقال بعضهم: إنّها طيرٌ بيضاء، وقال آخرون: بل سوداء، وقال آخرون: إنّها كانت خضراء، ولها خراطيم كخراطيم الطير، وأكفٌّ كأكفّ الكلاب، وقال عكرمة: (هي طير خضراء، خرجت من البحر، لها روؤسٌ كروؤس السباع).
قوله تعالى: « تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ»: أي أخذت هذه الطيور ترمي عليهم حجارةً من سجيلٍ، وهي حجارةٌ من طينٍ، وحجمها دون الحمصة وفوق العدسة، وكان كلّ طيرٍ يحمل ثلاثة أحجارٍ؛ حجرين برجليه وحجرٌ بمنقاره ويلقيها عليهم، وقال بعض العلماء أن سجيل هي السماء الدنيا، وهي التي أنزلها الله سبحانه تعالى على قوم لوط .
قوله تعالى: «فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ»: شبه الله تعالى حال أصحاب الفيل بعد أن نزلت بهم العقوبة التي قطّعت أوصالهم بها وتفرّقت أبدانهم، كزرعٍ أكلته الدواب فراثته وتفرقت أجزاؤه، وقال البعض: إنّ العصف هو القشر الذي يُغلف حب الحنطة من الخارج، وهو قول مجاهد، وقال قتادة: هو التبن، وقال ابن عباس: هو البُرّ يؤكل ويُلقى عَصفُه الريح، والعَصْف الذي يكون فوق البرّ هو لحاء البر.