حلقة جديدة من سلسلة الاغتيالات الطويلة التي يشهدها العراق الذي مزقته المذهبية والانقسامات على تقسيم كعكة الوطن لصالح الأطراف الخارجية، تلك المعسكرات التي لا تطيق كلمة تقال في سبيل الوطن وتلجأ لإسكات الأصوات من خلال الشئ الوحيد الذي يعرفونه، وهو الدم.
"قال كلمة الحق وقُتل عليها"..في مشهد يعود إلى عصور المغول حين أحرقوا مكتبة بغداد، وعلى طريقة العصور المظلمة، أُغتيل المحلل السياسي والخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي بالقرب من منزله في منطقة الزيتونة بالعاصمة العراقية، مُعاقَبا على جريمة الرأي والكلمة من قبل مسلح ملثم أطلق النار على رأسه وصدره، ليلفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفى ابن النفيس.
اقرأ أيضــًا:لحظة اغتيال الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي.. فيديو
اغتيال هشام الهاشمي .. أصابع الاتهام تشير إلى حزب الله
جاءت آخر كلمات الهاشمي ملخصة للمشهد المأساوي الذي يتقاسمه العراق مع عدد من دولنا العربية، وكشهادة يقف بها أمام الله؛ يخبره عن المجرمين الذين اغتالوا وطنه، وكل من عليه، وكل ما يمثله، قبل أن يغتالوه.
قال الهاشمي في آخر تغريداته على "تويتر":"تأكدت الانقسامات العراقية بـ:
1- عرف المحاصصة الذي جاء به الاحتلال (شيعة، سنة، كرد، تركمان، أقليات) الذي جوهر العراق في مكونات.
2-الأحزاب المسيطرة (الشيعية، السنية، الكردية، التركمانية) التي أرادت تأكيد مكاسبها عبر الانقسام.
3- الأحزاب الدينية التي استبدلت التنافس الحزبي بالطائفي".
الأمر لا يحتاج إلى كثير من التحقيق، فهو ظاهر لكل ناظر، فالكلمات الأخيرة تتجاوز بك التساؤل عن هوية القاتل، بل عن هوية المقتولين القادمين، كما تتجاوز بك التساؤل عن هوية الهاشمي وسيرته، فهو بالتأكيد كان رجلا، وقف ضد ما يحدث في بلاده من احتلال وتمذهب وفساد وفوضى تصب في صالح كل ما سبق، ويظل التساؤل، إلى متى ستبقى بلاد الرافدين على هذا الحال المؤسف؟ ومن يمكنه انتشال العراق مما هو فيه؟ فالواضح أن الانتفاضة الشعبية وحدها ليست كافية.
وبالعودة إلى السيرة الذاتية للهاشمي، فقد ولد في بغداد عام 1973- وهو تاريخ له دلالته في واقعة مثل هذه - وعمل مؤرخا وباحثا في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والجماعات المتطرفة، واختص بملف تنظيم داعش وأنصاره، على الرغم من حصوله على بكالوريوس إدارة واقتصاد، قسم الإحصاء.
بدأ الهاشمي عمله كمتابع وراصد للجماعات التي تطلق على نفسها "إسلامية" منذ عام 1997، وعمل في تحقيق المخطوطات التراثية الفقهية والحديثية.
اعتقل الهاشمي وحكم عليه بالسجن من قبل نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وخرج عام 2002، ليبدأ مسيرته الصحفية عام 2003، من ثم مشاركًا في كتابة التقارير والوثائقيات مع الصحف والقنوات الأجنبية.
كانت لـ هشام الهاشمي، مدونة، يوضح من خلالها خريطة الجماعات المسلحة في العراق.
الهاشميكانمن الأصوات الجريئة التي لا يخلو منها العراق وإن ندرت، ووقفت أمام داعش والمليشيات الإيرانية والفصائل المسلحة والمذهبية في العراق، والتي لن يخرج القاتل عنها بحال.
قبل نحو 3 أشهر، سمع الهاشمي نبأ اغتياله، الذي نشرته قناة "العهد" التي تتبع فصائل الحشد الشعبي، والذي سرعان ما حذفته. أحدث الخبر جدلا واسعا وكان بمثابة تهديد واضح، وليس وحيدا، فكثيرا ما تلقى تلك التهديدات، ووضع على قوائم الاغتيال لدى داعش وغيرها سرًا وعلانية، بالطبع بعد وصمه بكل ما لذ وطاب من صفات الكفر والردة والعمالة فضلا عن التحريض ضده.
لكن الهاشمي قابل ذلك بالقول "فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين".
وتعليقا على نبأ اغتياله، قال الصحفي العراقي بقناة "فرانس برس"، عمار الحميدواي إن أصابع الاتهام تشير إلى مليشيات عراقية شيعية، بينما نقلت قناة "الحرة" عن صحفي عراقي- أخفى هويته- قوله إن الهاشمي، أبلغه في حديث هاتفي قبل أقل من أسبوعين عن اغتياله، بتلقيه تهديدات بالقتلبشكل دوري، وأن المسؤول الأمني لميليشيا كتائب حزب الله، أبو علي العسكري، دأب على تهديده، وقد قال له حرفيا في آخر رسالة تهديد عبر الهاتف:"سوف أقتلك في منزلك".
وقال الإعلامي العراقي أحمد البشير عبر تويتر:"حزب الله وداعش الإرهابيين، سعداء ويشمتون باستشهاد هشام الهاشمي، لقد كنت على درب الحق يا هشام، بلسانك وبأفكارك وبشجاعتك وبصدر عار واجهت آلاف الإرهابيين من كل طرف، وعندما لم يستطيعوا مواجهتك فكريًا استخدموا وسيلة الجبناء والأنذال".
قبل استشهاده، قال الهاشمي في مقابلة مع "الحرة" الأمريكية:"تعاظمت قدرات المليشيات الموالية لإيران كثيرا بعد عام 2014، وباتت تملك كل ما تملكه القوات الخاصة العراقية من أسلحة ولديهم خبرات ومهارات، لكنهم لن يصمدوا أمام قدرات القوات النظامية في حال اختاروا المواجهة معها..يبقى جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الرد السريع ومغاوير الشرطة والجيش العراقي أكثر تدريبا ومهارة".
وختاما، لا يغتال صاحب كلمة، بل يموت قاتله، ويموت كل من تواطأ معه حتى ولو بالصمت، والأديان خلقها الله للحياة والأوطان خلقت لشعوبها.