الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

7 سنوات من الإهمال و13 دقيقة من الصدمة.. كيف دُمرت بيروت الجميلة؟

صدى البلد

لحظة من الهدوء، المارة في الشوارع والأزقة، البيوت تمتلئ بالنساء والأطفال، البعض في عمله، والبعض الآخر يتنزه في الشوارع، بينما تحاول مجموعة إطفاء حريق شب داخل العنبر 12 في مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، لتتحول السماء إلى شكل فطر عيش الغراب الرمادي، وتجذب كل شيء إليها مثل قوة مغناطيسية ضخمة قادمة من الفضاء. 


بدا الأمر لو أن الصوت نفسه قد انفجر في آذان الجميع، لحظة صمت عمت أرجاء العاصمة، تحطم العالم، وانتشرت الجثث في السماء، وانجذبت بعضها إلى قوة الانفجار، بينما تحطمت أوجه المباني، وتهشمت النوافذ. 


انتشرت شظايا الانفجار في الهواء، مثل الرصاص الذي ينافس سكان بيروت في سباق فائق السرعة إلى فراق الحياة، لينزع أحشاء المباني، ويحطم مصاريع الصلب، وتتحول السيارات إلى قطع من الخردة في الشوارع. 


"كانت مثل القنبلة الذرية، أو ربما قصف عنيف عقب إعلان الحرب علينا"، هكذا وصفت اللبنانية هالة عقيلي، البالغة من العمر 33 عاما الوضع في بيروت. 


أطلقت عناوين الصحف في العالم، على هذا الانفجار، بأنه أحد أكبر الانفجارات في التاريخ الحديث، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 210 أشخاص وإصابة أكثر من 6 آلاف آخرين، فيما لا يزال هناك عشرات المفقودين. 


نترات الامونيوم، هي المتهم المبدئي في هذه الكارثة التي حلت على العاصمة اللبنانية، حيث أشارت التحقيقات الأولية إلى اشتعال النيران في نحو 3000 طن من نترات الأمونيوم


تحول الفشل الذريع في الإدارة اللبنانية على مدى الـ 7 سنوات الاخيرة الماضية، إلى 13 دقيقة فقط من الجحيم عاشها الشعب اللبناني في هذا الانفجار الكارثي. 


حذرت السلطات اللبنانية منذ عام 2014، من العنبر رقم 12، بميناء المدينة بسبب احتوائه على مواد خطيرة وشديدة الاشتعال، إلا أن الجميع لم يستمع إلى هذه التحذيرات. 


ظهرت صورة لأبطال ذهبوا على أمل إنقاذ المدينة من الخطر، رجال إطفاء، وصلوا إلى العنبر قبل دقائق من الانفجار، في محاولة لإخماد حريق فيه، يعتقد أن سببه الالعاب النارية، إلا أنهم كانوا أول ضحايا هذه الكارثة. 


سفينة حملت الموت 
لم يكن أي من أفراد الطاقم على متن السفينة المملوكة لروسيا يخمن قبل سبع سنوات أن رحلتهم، التي بدأت في البحر الأسود، ستنتهي في نهاية المطاف إلى هلاك العاصمة اللبنانية بيروت التي تبعد أكثر من 1000 كيلومتر.


بدأت احداث القصة في سبتمبر عام 2013، عقب إبحار سفينة روسية، تبلغ من العمر 27 عاما من الرحلات البحرية، من ميناء باتومي الجورجي، إلى بيروت وعلى متنها 2750 طنا من نترات الأمونيوم، سريعة الاشتعال، تستخدم في الأسمدة وصناعة القنابل. 


لم يكن من المقرر أن ترسي هذه السفينة في بيروت، حيث كان مقررا لها نقل هذه الحمولة إلى شركة متفجرات في موزمبيق أقصى إفريقيا، لم يتضح السبب الحقيقي في وجود السفينة في بيروت، إلا أن بعض محامي شركة السفينة قالوا إن السبب وراء ذلك هو مشاكل تقنية.
 

وكشف مالك السفينة لـ صحيفة اندبندينت البريطانية أن بيروت طالبت بأموال العبور ومصاريف الشحن وغيرها، ما زاد من ديون هذه الحمولة، لتقرر الشركة المالكة للسفينة ترك السفينة والحمولة إلى جانب البحارة إلى بيروت. 


وبعد أشهر من الضغط من قبل الدبلوماسيين الأوكرانيين، سُمح لغالبية طاقم السفينة بالعودة إلى ديارهم في أوائل عام 2014.


وعقب هذا التاريخ، شهدت السنوات التي جاءت عقب ذلك تحذيرات عديدة من خطر هذه المواد الموجودة بالقرب من العاصمة اللبنانية بيروت، إلا أن الفساد الذي عفن أطراف الإدارة اللبنانية خلال هذه السنوات لم يفعل أي شيء. 


تم رفع التحذير الأول قبل تفريغ الشحنة في مذكرة داخلية بتاريخ فبراير 2014، حيث حذر العقيد جوزيف سكاف، رئيس قسم مكافحة المخدرات في لبنان، إدارة مكافحة التهريب في بيروت من أن المواد الموجودة على السفينة: "خطيرة للغاية وتهدد السلامة العامة".


وبحسب ما ورد في التقارير الرسمية، أرسل بارودي ومشاركوه، الذين مثلوا طاقم السفينة الروسية، رسائل في يوليو 2014 إلى المسؤولين في ميناء بيروت ووزارة النقل "تحذر من مخاطر المواد المنقولة على متن السفينة"، إلا أن المسئولين اللبنانية تجاهلوا هذه التحذيرات وتم نقل حمولة هذه السفينة إلى عنبر رقم 12 في الميناء، بسبب تعرض السفينة للغرق.


كان معروفا لدى العاملين في مرفأ بيروت أن العنبر رقم 12، خطير للغاية، وذلك وفق شهادات نقلتها صحيفة اندبندنت البريطانية، لم يكن يعرف العديد من العاملين ما طبيعة الخطر الموجودة بداخل العنبر، البعض اعتقد أنها أسلحة مصادرة، والبعض الاخر مواد متفجرة، ولم يصل أي أحد إلى طبيعة الأمر. 


طالب رئيس دائرة الجمارك شفيق مرعي، في عام 2016، من محكمة الأمور المستعجلة في لبنان بإذن لبيع المخزون إلى شركة لبنانية بسبب خطره على المجتمع، وكرر نفس الأمر في عام 2017، إلا أنه لم يتلق أي إذن بذلك. 


وفي ديسمبر عام 2019، أجرى جهاز أمن الدولة اللبناني تحقيقا حول الشحنة الموجودة في الهنجر رقم 12، ونقل التقرير إلى رئيس الدولة ورئيس الوزراء بعد عدة أشهر. 


واعترف الرئيس ميشال عون أنه قبل ثلاثة أسابيع من الانفجار، تم تسليمه ذلك التقرير وأبلغ أن المادة الخطرة كانت موجودة منذ سبع سنوات، وقال إنه أمر على الفور مسؤولي الجيش والأمن بفعل المناسب. 


وتلقى رئيس الوزراء حسان دياب، الذي استقالت حكومته يوم الاثنين الماضي، الرسالة نفسها في نفس اليوم وأرسلها إلى مجلس الدفاع الأعلى خلال 48 ساعة، إلا أن لم يتغير أي شيء، لتتحول المدينة عقب ذلك إلى كتلة من اللهب، وتأخذ في طريقها الاخضر واليابس وتنهي حياة الشعب الذي أحب الحياة.


13 دقيقة حسمت مصير المدينة 

بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق الثالث من أغسطس، اتصل الكهربائي في ميناء بيروت، جو عقيقي، بوالدته ليخبرها أنه سيبدأ نوبة العمل الليلية الخاصة به، حيث يغادر معظم العاملين الميناء الساعة الرابعة عصرا، حيث شهد وقوع الحريق في الهنجر وجود عدد قليل من العاملين في الميناء. 


قبل أن تصل عقارب الساعة إلى السادسة مساء بتوقيت بيروت، وقف عقيقي على سطح مبنى في الميناء، ورصد وجود دخان أسود متصاعد من الهنجر رقم 12، الذي كان على بعد 40 مترا أمامه، وفي نفس التوقيت تلقى أحد أعضاء غرفة عمليات الإطفاء اتصالا يفيد بوقوع حريق في مستودع داخل المرفأ. 


أرسلت الغرفة الفريق الأول، والذي لقوا حتفهم كأول ضحايا هذا الانفجار، فريق مكون من 10 أشخاص، 9 رجال إطفاء ومسعفة، ووصلوا إلى مكان الحادث عقب دقيقتين فقط. 


لم يجد فريق الإطفاء أيا من العاملين في الميناء ليرشدهم إلى موقع الحريق، ليهدروا وقتا طويلا من حياتهم، في البحث عن مكان الحريق، وفتح المستودع الذي انتشرت به الأدخنة. 


وقبل الساعة السادسة مساء بدقائق سمع السكان الانفجار الأول، وبدأوا في التعليق على مواقع التواصل الاجتماعي عن الأمر، وخرجوا من منازلهم والنوافذ لمعرفة ماذا يحدث في المدينة، وقبل الساعة السادسة وثماني دقائق اتصل رجال الإطفاء إيليا خزامي وشربل كرم يطالبون بمزيد من الدعم الفوري إلى الميناء. 


وقبل أن يستطيع أي فرد من إدارة الطوارئ تحريك أي معدة انفجر الهنجر 12 في مرفأ بيروت، لتتحول المدينة إلى اللون الأسود. 


بيروت تحولت إلى كتلة سوداء في ثوان معدودة، لم يستطع أي من سكانها تحديد السبب وراء هذه الكارثة، البعض رجح باندلاع حرب والبعض الأخر اعتقد بانفجار قنبلة نووية، إلا أن النتيجة واحدة وهي فقدان المئات من الأرواح، رواحوا نتيجة إهمال استمر لمدة 7 سنوات، لتتحول المدينة إلى الجحيم في 13 دقيقة فقط.