الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. جوزيف رامز أمين يكتب: نزاعات إثيوبيا ومفاوضات سد النهضة

صدى البلد

لأول مرة فى التاريخ الاثيوبى المعاصر، وعلى الأقل منذ ربع قرن حين تم اقرار الدستور الاثيوبى الفيدرالى عام 1994والعمل به منذ عام 1995,والذى أقر حق الأقاليم الاثيوبية التسع,ومدينتى "أديس ابابا وديرداوا" فى تحقيق الحكم الذاتى بشكل فيدرالى ,بل وامكانية الانفصال عن الكيان الأكبر"اثيوبيا"-أقصد لأول مرة يحدث مثل هذا الاقتتال الداخلى بين الحكومة المركزية واقليم "تيجراى"والذى كان من شأنه حدوث أعمال عنف واضحة ووفيات وجرحى بين الجانبين,بل لدرجة لجوء عدد من العسكريين الاثيوبيين الى السودان  وتسليم أنفسهم هناك ,فقد نقلت وكالة السودان (سونا) للأنباء عن شهود عيان، أن 4 أسر إثيوبية و30 من أفراد الجيش الاتحادي الإثيوبي عبروا الحدود بأسلحتهم إلى منطقة اللقدي الحدودية شمال شرق ولاية القضارف السودانية.هذا بجانب "أعداد كبيرة من الإثيوبيين الفارين من الصراع عبروا أيضا الحدود إلى مناطق ريفية في محلية الفشقة في القضارف".ويتم العمل مع معتمدية اللاجئين السودانية، لإعداد مخيم لاستضافتهم.                              

ولعل خطورة هذا الاقتتال تنبع من أنه يدور بين:قوميتى "الأورومو والأمهرة" أكبر القوميات الاثيوبية عددا وأكثرها حكما للبلاد وبين قومية "تيجراى" التى سبق لها الحكم منذ عام 1991-رغم انها تمثل حوالى 7% من السكان- وحتى وصول أبى أحمد الى السلطة فى ربيع عام 2018 ... وحيث أرسل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قوات وطائرات إلى تيجراي يوم الأربعاء الماضى 4/11 في تصعيد كبير لخلاف طويل الأمد.وتنبع أهمية التيجراى ليس فقط من قدرتهم العسكرية وكوادرهم التنظيمية ودورهم البارز فى الحرب التاريخية التى دارت رحاها بين نظام الدرج الشيوعى بقيادة الرئيس المخلوع"منجستو هيلا ماريام"وبين كل من "ميليس زيناوى" مهندس السياسة الاثيوبية والدستور الفيدرالى للبلادعلى مدى قرابة عقد ونصف,والرئيس الاريترى الحالى"أسياسى أفورقى" ...الأمر الذى أعطاهم قوة وصلابة وخبرة...يزيد من هذا احتمال تحالف التيجراى فى كل من:اثيوبيا واريتريا من خلال اقليم "تيجراى"المتداخلة حدوده وأنسابه بين البلدين.                                          

كما أن هذا الاقتتال يعيد الى الأذهان الحرب الشرسة ذات الجولات الثلاث والتى دارت رحاها بين البلدين منذ عام 1998-2000,ونتج عنها سقوط آلاف القتلى والجرحى وتدمير المنشآت والأبنية والآليات العسكرية...وبعد جولات طويلة من المفاوضات والشد والجذب ,انتهى الأمر بالمصالحة التاريخية فى يوليو 2018 وعودة العلاقات بين البلدين بعد أن اعترف الرئيس "أبى أحمد"بشرعية الحدود بين البلدين فى اقليم"بادمى"وفقا لقرار محكمة العدل الدولية السابق حيث زار أسمرة وتم عودة العلاقات,الأمر الذى كان أحد اسباب فوزه عقب ذلك بجائزة نوبل للسلام , عقب سلسة أخرى من المصالحات الداخلية والاقليمية ومحاولة اقتسام الكعكة السياسية والاقتصادية بين المتنافسين المحليين فى البلاد.                                                                                

تقارير عن خسائر فادحة في الحرب الجارية في إقليم تيجراي

 وردت أنباء عن وقوع خسائر فادحة في الأرواح في الاشتباكات الجارية بين الجيش الإثيوبي والقوات الموالية للحزب الحاكم في إقليم تيجراي المضطرب شمال البلاد.وقالت منظمة أطباء بلا حدود يوم السبت 7/11 إن 6 أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب 60 آخرون في موقع واحد على طول حدود تيجراي وحدها، وقال مسؤول طبي إن نحو 100 جندي حكومي عولجوا من إصابات بأعيرة نارية في مستشفى بمنطقة أمهرة الشمالية. وتزايدت التقارير عن قتلى وجرحى من الجنود في الأيام الأخيرة في أمهرة، حيث قال أحد عمال الإغاثة الإنسانية إن 3 لقوا حتفهم وتلقى 35 العلاج يوم السبت, وقتل خمسة وأصيب 105 آخرون يوم الجمعة.    

وروّج آبي والقادة العسكريون لنجاحات الجنود الإثيوبيين، لكن انقطاع الاتصالات في المنطقة جعل من الصعب التحقق من مزاعمهم, في وقت يمكن فيه للجانبين الوصول إلى أسلحة ثقيلة ومدرعات ومخزونات كبيرة من الذخيرة.كما أقال آبي أحمد قائد الجيش يوم الأحد8/11 وعين نائب القائد برهانو جولا لتولي مسؤولية قوات الدفاع الوطني الإثيوبية. وكانت هذه الخطوة جزءًا من تعديل وزاري أوسع بدا أنه يهدف إلى جلب المؤيدين الأكثر صخبًا إلى الخطوط الأمامية للعملية العسكرية في تيجراي. وقال قائد الجيش الإثيوبي المعين حديثًا "برهانو جولا" إن القوات الفيدرالية استولت على أربع بلدات في غرب تيجراي حيث تركزت معظم المعارك. وقال زعماء منطقة تيجراي بشمال إثيوبيا اليوم الاثنين إن الحكومة الفيدرالية بقيادة آبي شنت أكثر من 10 غارات جوية ضدهم  مؤخرا.                                                                                       

ولا يعتقد المحللون أن الاشتباكات ستبعث من جديد الصراع في إريتريا، بالنظر إلى أن الرئيس أسياسى أفورقي وآبي يرى كلاهما في قادة تيجراي بأنهم أعداء.وتتمركز أكبر قيادة للجيش الفيدرالي، ومعظم أسلحته الثقيلة، في تيجراي. وأحد أكبر المخاطر هو إمكانية تعامل الجيش مع الانتماءات العرقية، ومع انشقاق التيجراي عن القوة في منطقتهم:يرى المراقبون بأن الحرب الشاملة ستضر باقتصاد إثيوبيا بعد سنوات من النمو.               

من جانبها قالت الأمم المتحدة إن تسعة ملايين شخص يواجهون خطر النزوح بسبب الصراع المتصاعد في منطقة تيجراي، محذرة من أن إعلان الحكومة الفيدرالية لحالة الطوارئ يمنع الغذاء والمساعدات الأخرى.وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في تقرير صدر يوم السبت، إن حوالي 600 ألف شخص في تيجراي يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، بينما يتلقى مليون آخر أشكالًا أخرى من الدعم، تعطلت كلها.وجاء في تقرير الأمم المتحدة أن غزو الجراد الصحراوي في شرق إفريقيا قد أصاب تيجراي بشدة ويخشى أن جهود مكافحة أسراب الحشرات قد توقفت بسبب الصراع، مما يهدد بمزيد من الضرر للمحاصيل.                                                                                      

والسؤال الآن :مامصير هذا النزاع والاحتدام بين الجانبين "الجيش الوطنى "وجيش الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى؟

يذكر بداية ان اقليم تيجراى قد فقد الحكم والسلطة ولم يصبح لهم نصيب كاف من الثروة ,ولعل احتدام العنف منذ ربيع 2018وتعدد محاولات الانقلاب واعمال العنف المصاحبة والمظاهرات المحتدمة وغير السلمية خير دليل على ذلك. كما أن التغييرات الأخيرة التى أجراها"آبى أحمد" فى مواقع السلطة تفيد بأنه ينوى التصعيد,خاصة بعد تأجيل الانتخابات العامة المقرر لها"أغسطس الماضى",يضاف الى ذلك عدم الاستقرار السياسى الذى يشهده ليس فقط اقليم تيجراى ولكن ايضا أركان الدولة برمتها.                                               

  وفى هذا السياق, طالب عدد من الأمريكيين من أصل إثيوبي بإقالة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الحاكم، والذي وصفوه بـ«الطاغية المجنون» الذي يتخفى تحت غطاء جائزة نوبل للسلام، قائلين إنه يشكل تهديدا لمصلحة إثيوبيا الوطنية في دولة يعاني اقتصادها «سقوطا مدويا»، مؤكدين أن «المحنة» التي يواجهها أبناء عرقية التيجراي الأثيوبيون والأحزاب المعارضة، في الوضع الراهن لاقت «آذانا صماء".                      

أثر النزاعات الداخلية ورحيل ترامب على مفاضات سد النهضة؟

 لاشك أن احتمال رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن البيت الأبيض، وقدوم إدارة أمريكية جديدة برئاسة الرئيس الديمقراطى "جوبايدن"وارد بالفعل,وهو ما قد ينعكس على مفاوضات سد النهضة ...الأمر الذى اختلف الخبراء بشأنه حيث يرى بعضهم ومنهم أ.د.عباس شراقى الأستاذ بكلية الدراسات الأفريقية العليا،أنه رغم الدور الواضح الذى قامت به الادارة الأمريكية منذ نوفمبر 2019 وحتى فبراير 2020 فى تلك المفاوضات وكذا فرضها بعض العقوبات على اثيوبيا بسبب تعنتها وعدم توقيعها الا إلى أن ترامب "لم يستخدم الثقل الأمريكي أو التدخل الشخصي للضغط على إثيوبيا وتشجيعها على التوقيع على اتفاق سد النهضة لعدة أسباب منها أن سد النهضة لم يكن ضمن الاهتمامات الأمريكية، ثم اجتياح فيروس كورونا لأمريكا والعالم وانشغال ترامب بحملته الانتخابية الثانية.وهو يرى رغم أن لهجة ترامب كانت حادة تجاه أديس أبابا، والتي كان آخرها عندما لمح إلى إمكانية تدمير السد، لكن موقفه إجمالا وافق هوى مصر، فترك أملا لدى القاهرة يمكن إزاءه إيجاد حل للخلافات الناشبة .                                                                                          

واستبعد الدكتور "نادر نور الدين" أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، تغيُّر سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عن سلفه إزاء ملف سد النهضة، باعتبار أن القضية فنية وليست سياسية.وبشأن تصريحات ترامب الأخيرة التي اعتبرت داعمة للموقف المصري، رأى نور الدين أن ذلك لم يكن تحيزا بل جاء كرد فعل على التهرب الإثيوبي من التوقيع على اتفاق تمت بلورته برعاية أمريكية.واعتبر الخبير المصري أن موقف بايدن سيتم تحديده وفق التقرير الفني المحايد الذي يتفق مع تقريرين آخرين، الأول أعده الكونجرس قبل ثلاث سنوات، والثاني لمركز أبحاث أمريكي شهير، وخلصوا الثلاثة إلى وجود أضرار جسيمة على دولتي مصر والسودان.سبب آخر رآه نور الدين داعما لفكرة استمرار موقف الإدارة الأمريكية الداعم لمصر في هذا الملف، ويتمثل في النفوذ الصيني بإثيوبيا تحت زعم الاستثمارات، وهو ما يقلق الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، بغض النظر عن خلفية رئيسها.                                                                                         

لكن الخبير الاستراتيجي في شؤون المياه بالشرق الأوسط، الدكتور "نور أحمد عبدالمنعم" رأى خلاف ذلك، باعتبار أن تغير الإدارة الأمريكية والتوتر الأمني الحالي في إثيوبيا يعطيان رئيس الحكومة آبي أحمد ”فرصة أخرى للمماطلة والتهرب من التزاماته".وجزم عبدالمنعم في تصريح لـ“إرم نيوز“، بأن ”مصر خسرت موقفا أمريكيا كانت تعوّل عليه كثيرا للوصول إلى حل مُرضٍ بشأن سد النهضة". ودلل الخبير المصري على رأيه بأن ”آبي أحمد استغل منذ توليه الحكم في إثيوبيا أحداثا محلية وإقليمية للتهرب من تعهداته، أو على الأقل إطالة أمد المفاوضات“.                                                                                  

أما الخبيرة المصرية أيضا "د.سحر غراب" تقول إنه لو حدث وانفصل إقليم بني شنقول المتاخم لحدود اثيوبيا والسودان  أو عاد للسودان وهو مقر"سد النهضة"، فمصير السد سيكون غامضا، فالإقليم فقير الموارد ولن يستطيع إكمال بناء السد، فضلا عن أن السكان يرفضون السد من الأساس، وبالتالي قد يتوقف البناء، أما لو لم ينفصل الإقليم وظل تابعا لإثيوبيا وانشغل رئيس الوزراء في حربه مع إقليم تيجراي فإن الأموال التي كانت تخصص لبناء السد سيتم توجيهها لتمويل الحرب والنزاع، خاصة أن إثيوبيا تقوم حاليا بإكمال البناء من موازنة الدولة وتبرعات المواطنين، وهو ما قد يتوقف بعد تحويل هذه الأموال لتسليح الجيش وتمويل نفقات الحرب.والخلاصة كما تقول الخبيرة المصرية أن بناء سد النهضة سيتوقف في كلتا الحالتين، وهو ما قد ينتهي إما بتأجيله لفترة أو صرف النظر عنه تماما وتحوله لأطلال، مؤكدة أن التوجه الحالي لرئيس الوزراء الإثيوبي وبعد التغييرات الأخيرة في الجيش والمخابرات تعني أنه ذاهب للحل العسكري، وأن إثيوبيا ذاهبة للحرب الأهلية لا محالة ما لم تحدث معجزة.                                                                                             

ويرى كاتب هذا المقال أن تأثير هذا النزاع والاحتدام على السلطة والثروة فى اقليم "تيجراى"الشمالى والذى يفصل الحدود بين اثيوبيا واريتريا ,لاشك يلقى بتبعاته على الاستقرار السياسى فى الاقليم بأسره وعلى المناخ العام للمفاوضات الثلاثية حول سد النهضة بين:مصر واثيوبيا والسودان والتى لم تحرز أى تقدم يذكر رغم الوساطة الأمريكية منذ اواخر عام 2019 ثم وساطة الاتحاد الأفريقى بداية من العام الحالى,وفى ظل تغير الخريطة الاقليمية للتحالفات فى القرن الأفريقى ...والتغير المنتظر فى تحول ادارة الولايات المتحدة لتتجه نحو الديمقراطيين فى السنوات الأربع القادمة والدور المنتظر للرئيس/جو بايدن خاصة بعد الوساطة الأخيرة التى رعاها الرئيس الجمهورى"دونالد ترامب" وتصريحاته المحيرة حول امكانية تفجير مصر لسد النهضة.         

أيضا نرى الاحتدام بينه وبين الرئيس المرتقب "بايدن" حول نتائج الانتخابات ,لذا فان الصورة العامة للموقف الأمريكى الهام لن تتضح قبل 20 يناير"الموعد المفترض لتولى الرئيس/بايدن للحكم "وحيث يعقب توليه رسميا ظهور ملامح الدور الأمريكى المنتظر فى استمرار رعاية المفاوضات وتحقيق الوساطة الايجابية بين الأطراف الثلاثة ...أيضا ننظر الى العلاقات الاسرائيلية-السودانية التى تم السعى لتطبيعها مؤخرا فى واشنطن ..ومن المنتظر أن تمثل ورقة أخرى من أوراق الضغط فى التفاوض بين الأطراف الثلاثة ...من ثم,فلننتظر ماذا ستسفر عنه الأيام القادمة؟       

-