الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لغة الضاد


إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضاد، هكذا وصف أمير الشعراء أحمد شوقي اللغة العربية تلك اللغة الفضفاضة الثرية التي تصل مفرداتها لأكثر من 12 مليون كلمة مقارنة باللغات الأخرى هي لغة أصيلة ضاربة في التاريخ عميقة الجذور متفردة بحجم المؤلفات التي كتبت عنها حتى أصبحت المكتبة اللغوية العربية من أكبر المكتبات اللغوية في تاريخ العالم.

استطاعت اللغة العربية أن تحافظ علي بقائها وأن تتكيف علي مدار ما يزيد علي 15 قرنا حيث تفرعت منها لغات عديدة محلية وعامية أعلاها الفصحي، مثلت حلقة الوصل بين جميع أبناء الأمة العربية من المحيط للخليج والجسر الذي حمل الثقافة العربية وامتداداتها التاريخية لقرون عديدة فكانت حاضنة وحارسة للتاريخ والهوية حملت العربية شعلة النور فأضاءت به ظلمات العصور الوسطى في أوروبا وتسيدت حضاريا وانسانيا.

وازدهار وثراء شهدته اللغة العربية تأليفا وأدبا وشعرا ما بين القرن الثاني الهجري حيث بداية الاهتمام بلغويات وجماليات اللغة بصدور كتاب النحو العربي لسيبويه والمعجمات للفراهيدي حتي توالت المؤلفات العربية فاصبح التأليف بالعربية وعن العربية سمة بارزة لنجباء  هذا العصر إلى أن ابتلي العرب بالسيطرة العثمانية، وكانت أكثر الفترات بوصف علماء اللغة ضمورا وفقرا في تاريخ الأدب العربي إلى أن بدأت ملامح التخلص منه مع القرن الثامن عشر فانتقلت التجربة اللغوية من الإحياء للتجديد ثم الحداثة واستمر هذا الثراء إلي أن وصلنا للربع الأخير من القرن العشرين حتي تبدلت ملامح  اللغة ووصلنا لحالة قبح  نالت من قيمة اللغة وهيبتها ولم يعد التعامل يليق بمكانتها. 

ففقدت المؤسسات الثقافية والتعليمية دورا هاما في تعزيز وتعميق دور اللغة في ظل عدم التطور في أساليب تعليمها ومناهجها بحيث أصبحت مادة جامدة لا تتماشي مع الواقع المعاصر  عكس طرق تدريس اللغات الأجنبية وشيئا فشيء تراجعت العربية وتقدمت عليها اللغات الأخرى وصارت اللهجة العامية بديلا عنها إضافة إلى تغير التركيبة الثقافية للمجتمع بتوغل  الثقافات الوافدة.  

وعانت العربية من عقوق أهلها وتنكرهم لها واستعلائهم عليها فالبعض هجرها إلى اللغات الأجنبية من باب الوجاهة الاجتماعية والبعض الآخر انتهجوا العامية الدارجة  بديلا عنها وآخرين أدخلوا عليها كلمات ومصطلحات أجنبية  لتظهر لنا لغة ثالثة لا علاقة لها بالعربية من قريب أو بعيد.

وازدادت أحوالها سوءا بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وكان التقهقر المهين لمفردات اللغة بتشوه كلماتها وتدني معانيها في ظل غياب النخب اللغوية فقضي علي  البقية الباقية منها وقلب موازينها عند قطاع كبير من  المتحدثين بها بسبب التداول اللغوي الإلكتروني الخاطئ الذي يتسم بالتساهل في استعمال اللغة ويحمل ركاكة وأخطاء لغوية فادحة.

وبدلا من أن يقوم الإعلام والفن بالارتقاء بالمستوي اللغوي ساهم في إفساد جمالها وأصبح ناقلا للقبح والفجاجة وابتعد عن الجماليات بكافة أشكالها إلا من رحم ربي ولم يعد التعامل باللغة العربية يليق بمقامها الرفيع
وحين تضمحل اللغة الأم تضمحل الأمم فهي التاريخ والهوية وبدونها يحكم على الماضي بالقتل محوا ونسيانا ويتم الاقتلاع من الجذور ونصبح أمة بلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل فاللغة تظل خالدة حين يعتز بها أهلها ويعلمونها لأبنائهم جيلا بعد جيل.. فرفقا بلغة الضاد.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط