الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مدينة مظلمة وتواجه الإفلاس.. بيروت غارقة في العجز والنفايات تغزو شوارعها

بيروت تواجه أزمة
بيروت تواجه أزمة غير مسبوقة منذ انفجار المرفأ

- بيروت تغرق في الظلام بعد أشهر على انفجار المرفأ

- أزمة نفايات في العاصمة اللبنانية

- انهيار الليرة يزيد من وقع الانهيار الاقتصادي في لبنان

 

تواجه العاصمة اللبنانية بيروت مأزقا كبيرا في ظل عدم قدرة بلدية العاصمة ذات الموازنة الأكبر في البلاد بين البلديات على جذب المتعهدين لإنجاز الكثير من الأعمال في ظل استمرار دفع تكاليف المشاريع بالليرة اللبنانية الفاقدة للقيمة، وهو يهدد ببقاء أعمدة الإنارة في بيروت مطفأة حتى إشعار آخر، وأن تظل مشاريع الترميم معلقة بينما الحفر تغزو الطرق.

 

ويقول مسؤول في البلدية مفضلاً عدم الكشف عن هويته  "ما من متعهد يريد العمل مع البلدية"، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس".

 

وبحسب الوكالة، تغرق شوارع بيروت ليلا، في الظلام جراء تقنين قاس تفرضه مؤسسة كهرباء لبنان من جهة، وأعمدة إنارة وأضواء أنفاق تلفظ أنفاسها الأخيرة في انتظار صيانتها من جهة ثانية.

 

علاوة على ذلك، تمر السيارات بصعوبة بين الحفر في بعض الطرق، وعند كل تقاطع، يحاول السائقون تفادي التعرض لحادث بسبب الإشارات الضوئية المطفأة أو المحطّمة، ومنذ نحو عام ونصف، لم تتجدد عقود صيانة الإنارة والطرقات وإشارات السير.

 

من جانبها أعلنت بلدية بيروت عن مناقصة لتلزيم مشروع صيانة إنارة شوارع وأنفاق بيروت، لكن خلال اجتماعين عقدا الشهر الماضي لتلقي العروض، لم يحضر أحد.

 

ويعاني لبنان منذ عقود من مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذي المعامل المتداعية، ومن ساعات تقنين طويلة تتخطى 12 ساعة في بعض الأحيان.

 

وأوضحت الوكالة أن بلدية بيروت تدين اليوم بـ27 مليار ليرة تراكمت على مر 15 عاماً لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، وفق المسؤول في البلدية.

 

ومنذ صيف عام 2019، وعلى وقع الانهيار الاقتصادي الأسوأ في لبنان، بدأت الليرة تتراجع تدريجاً أمام الدولار وسط أزمة سيولة حادة، حيث يلامس سعر الصرف في السوق السوداء اليوم 12 ألفاً للدولار، أما سعر الصرف الرسمي فلا يزال مثبتاً على 1507 ليرة.

 

وبالتالي، لم تعد التلزيمات مربحة وسط عدم القدرة على استيراد مواد أولية يحتاجها المتعهدون بالدولار، وعدم قدرة البلدية على الدفع إلا بالعملة المحلية.

 

ويضيف المسؤول اللبناني في حديثه للوكالة "إذا أردنا تلزيم مشاريع لهذا العام"، بحسب سعر الصرف الذي يريده المقاولون، "فلن تبقى أموال في الخزينة".

 

- أزمة نفايات

وفي المناطق التي تضررت جراء انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس، الذي تسبب في مقتل أكثر من 200 شخص وبدمار هائل في الأحياء القريبة، تبقى حركة الترميم بطيئة، في ظل أعمال يقوم بها بضعة متعهدين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحد.

 

ولم تتمكن البلدية التي وقعت عليها مهمة تلزيم مشاريع تدعيم البنى المتضررة، من إتمام المهمة، فيما ويقول المسؤول "قسمنا المباني المتضررة إلى 15 مجموعة، نجحنا في تلزيم أربع مجموعات فقط".

 

ورغم إعلان المناقصة مرات عدة، لم يبد أحد اهتماماً بالمجموعات الأخرى، أما الشركات العاملة حالياً فبدأت تشتكي كون العقد الذي وقعها كل منها بقيمة 2 مليار ليرة، جرى حين كان سعر الصرف 6 آلاف.

 

على صعيد آخر، تبدو أزمة نفايات جديدة حاصلة حتماً ما لم تتمكن البلدية من إيجاد حل مع شركة "رامكو" المتعهدة بإزالة النفايات، وأوضح المسؤول اللبناني أنه "لا يزال العقد سارياً مع الشركة، لكنها بين الحين والآخر تُهدد بالإضراب وتعليق العمل، لأنها تريد تعديل السعر".

 

كانت قيمة العقد بالليرة اللبنانية تعادل 14 مليون دولار سنوياً، حسبما أكد رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني لفرانس برس، لكنها تبلغ اليوم نحو مليوني دولار، وفق سعر السوق السوداء.

 

وفي شوارع بيروت التي تشهد منذ أشهر طويلة احتجاجات شعبية متقطعة على الوضع المعيشي تركت آثارها على إسفلت المدينة حيث تحرق بين الحين والآخر إطارات، وعلى جدرانها حيث تكتب شعارات تشتم المسؤولين وتطالب بتنحيهم، يبدو الناس منصرفين الى أعمالهم... وهمومهم.

 

ولم تجد مناقصة صيانة الطرق والأرصفة من يتلزمها حتى الآن.

 

وفي أحد شوارع منطقة الحمرا، يشهد تقاطع رئيسي بين الحين والآخر حادث سير، فيما إشارة السير مكسورة منذ أشهر، ونادراً ما تعمل.

 

كانت هيئة إدارة السير تستخدم مدخولها من عدادات مواقف السيارات في بيروت لتمويل صيانة إشارات السير ونفقاتها، فيما تحصل البلدية بالمبدأ على جزء من العائدات.

 

وأثار إعلان البلدية عام 2019 أنّها لم تتلق أي مبلغ من العائدات، تساؤلات عدّة. وخلال التحركات الشعبية المناهضة للسلطة، تعرَض عدد من العدادات للتخريب على أيدي محتجين غاضبين إثر تقارير إعلامية عن شبهات فساد في الملف، ومنذ ذاك الحين، توقّفت أيضاً صيانة إشارات السير.

 

يضاف إلى المشهد ظاهرة تشهدها بيروت منذ فترة تتمثل بسرقة أغطية الصرف الصحي من شوارعها وحتى كابلات الكهرباء والقساطل المعدنية، ويرجح أن السارقين يبيعون هذه القطع بعد ارتفاع أسعار الحديد بشكل كبير.

 

وعن تراجع عدد المقاولين، يقول نقيب المهندسين جاد ثابت للوكالة الفرنسية إن السبب "بسيط جداً، وهو البلدية".

 

وأوضح أن "الشركات الخاصة بشكل عام لا تريد العمل مع أي مؤسسة رسمية لأن الالتزامات بالليرة، ولا أحد يريد أن يأخذ تلزيمات بالليرة"، مشيراً إلى مناقصات عدة أطلقتها وزارة الأشغال "من دون أن يتقدّم أحد".

 

ويضيف "لا يريد الناس الدخول في مشاريع خاسرة".

 

- رخص البناء

تُعد بلدية بيروت أغنى بلديات لبنان، لكن تبقى اليوم من ميزانيتها حوالى 800 مليار ليرة، أي 64 مليون دولار فقط، بحسب سعر صرف السوق حالياً.

 

وتبلغ نفقاتها الثابتة حوالي 300 مليار ليرة سنويا تصرف على الرواتب وخدمات الاستشفاء للموظفين وخدمات تشغيلية وإدارة مشاريع وغيرها، فيما "تدنت الواردات بشكل كبير"، وفقا للوكالة.

 

ومنذ انفجار المرفأ "لم تجن البلدية إلا مبلغاً يتراوح بين 70 و100 مليار ليرة، بينما يفترض بها أن تجني من ضرائب ورخص بناء ورسوم أكثر من 300 مليار سنوياً"، بحسب المسؤول الذي يؤكد أن "العجز المالي يزداد".

 

وعلى وقع الانهيار الاقتصادي المتمادي، خسرت البلدية أحد أبرز مصادر وارداتها المتعلق برخص قطاع البناء والتي تراجعت بمعدلات قياسية، وأضاف المسؤول "لم نمنح في عام 2020 سوى 4 رخص بناء فقط" مقابل العشرات سابقا.

 

وبغض النظر عن مشاريع الاستثمار والخدمات، فإن تاريخ بيروت مفعم بمشاريع غير مكتملة، ما جعل البعض ينظر إليها كأحد نماذج الفساد في البلاد.

 

وحتى قبل الأزمة، لم يكن تلزيم المشاريع يمر من دون مناورات، حيث يقول مصدر مطلع على عمل البلدية للوكالة إن "دفتر شروط المناقصة كان يعد على حسب المتعهد" الذي يُراد العمل معه، وبالتالي تكون النتيجة محسومة سلفاً.

 

بدوره، يقول نقيب المهندسين "منذ ما قبل الأزمة، والبلدية غير فعالة"، مشيراً إلى مشاريع عدة تمت دراستها ومنها ما كان ممولا من الخارج إلا أنه "لم ينفذ شيء منها".

 

وأرجع جمال عيتاني عدم تنفيذ المشاريع بشكل أساسي إلى "بيروقراطية متعبة" ثم انخفاض قيمة الليرة، قائلا إن "ثمّة عجز عن استكمال مشاريع كانت أساساً قيد التنفيذ".

 

ويؤكد المسؤول في البلدية "إذا بقي الوضع على حاله.. فالبلدية حتماً في طريقها إلى الإفلاس.. كما هو وضع البلد".