الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل الذنوب والمعاصي تمنع الرزق ؟

صدى البلد

هل الذنوب والمعاصي تمنع الرزق ؟ .. سؤال يود الكثيرون معرفة إجابته، ولابد في ذلك أولًا أن نعرف أن الله - تعالى- يجري الأرزاق ويسوقها لعباده دون كد منهم ولا تعب تحقيقًا لكفالته بالرزق لكل الخلق، ثم إن الناس يتفاوتون بأعمالهم واجتهاداتهم في أساليبِ تحقيق الكسب فيتفاضلون بينهم بالتخطيط والتنفيذ ثم التحصيل؛ فمنهم من يغنم المال الوفير والخير الكثير، ومنهم من يُراوح قدرًا معينًا من المال يتكسبه نتيجة جهد زمني لصالح عمل فردي أو مؤسسي، فيُسمي الناس ذلك ضيقًا في الرزق وابتلاء من الله أو قدرًا محتومًا، والواقع أن أرزاق الله - عز وجل- مُوزعةٌ بين عباده بِحكمة وعدالة باللغتين مع تجنب أسباب ضيق الرزق .

 

هل الذنوب والمعاصي تمنع الرزق ؟..  الذنوب والمعاصي تحرم العبد من الرزق لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن العبد ليحرم من رزق هيأ إليه بسبب المعصية"، فالرزق ليس مالا فقط بل يكون استجابة دعاء أو توفيق في اتخاذ قرار أو في الصحة أو زوجة صالحة، فالمعاصي تحرم العبد من نور العلم كأن يقرأ العبد القرآن الكريم ولا يتأثر به هذا سببه المعاصي وآخر يقرأه ويتأثر به ويعمل به، وقد تجد عالما لديه علم غزير ولكنه لا يستفاد منه وتجد أخلاقه وسلوكه غير مستقيمة.

 

أسباب ضيق الرزق


أشار العلماء إلى أن الرزق غير محصور بالمالِ؛ بل يتعداهُ إلى الصحة، والعافية، والذرية، والاستقرار الأسري وغير ذلك الكثير مِن نعم الله - سبحانه وتعالى- التي لا يُحصيها عقلُ آدمي.


 وفي تفسيرِ قوله - تعالى-: (لهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، يقولُ الإمام الطبري - رحمه الله-: "يُوسِّعُ رِزقَه وفَضلَه على من يَشاءُ من خَلقِه، ويَبسُطُ لَه، ويُكثِّر ماله ويُغنيه. ويَقدِر: أي ويَقتُر على من يَشاءُ مِنهم فيضيِّقُه ويُفقِره". فإن الله - تعالى- يحكم بِعلمه الواسع وحكمته بأن يوسع على من يشاءُ لعلمه بِمن يصلحه البسط في الرزقِ أو يفسده، ويقتر على من يشاء لعلمه بمن يصلِحهُ التَّقتيرُ عليهِ أو يُفسِدُه، وقد تكون السعةُ في الرزق جزاء على الإحسان للمسلِ ولغيرِ كما لا تكونُ ابتلاء وكذلك أمر التقتير، وقَد وَرَد في آيات الله وسنة الرسولِ -عليهِ الصلاةُ والسَلامُ- أسبابٌ ودلالاتٌ لِضيقِ الرزق، منها: ‏

 

‏1. المعاصي والذنوب: فقَد يُحرمُ العبدُ رِزقًا مَكتوبًا لهُ بذنبٍ يأتيهِ أو معصِية يستَهينُ بِها، فعن ثوبانَ مولى رسولِ الله عن الرسولِ - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ الرَّجلَ ليُحرمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه)؛ فإن العَبدُ يُحرَمُ الرِّزقَ جزاءً بِما ارتَكبَ من المعاصي والذُّنوبِ أو يُحرَمُ برَكتَه، فلا يأتيهِ رِزقَهُ إلا مُنغصًا مَنزوعَ البَرَكةِ.

2. حكمة الله في المفاضلة بين الناس في الرزق: قال - تعالى- (وَاَللَّه فَضَّلَ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي الرِّزْق فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللَّه يَجْحَدُونَ)، وفي الآيةِ تِبيانُ اختِلافِ النَّاسِ في الأرزاقِ وتفاضُلِهم فيها فَمِنهم غنيُّ ومنهم فَقيرٌ، ثمَّ إنَّ الأغنياءَ لَم يؤدوا زكاةَ أموالِهم وصَدقاتِها فينتَفِعَ بِها الفُقَراءُ ليتساووا في الرِّزقِ، وفي ذلِكَ حِكمةٌ ربَّانيَّةٌ لِيُسالَ كُلُّ عَبدٍ عن رِزقِهِ وعن حُقوقِ النَّاسِ فيه.

3. ‏الزنا: فعَن عبد الله عمر- رضِيَ اللهُ عنهُ -عن رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-أنَّه قال: (الزِّنا يورِثُ الفقرَ)، وقَد قُرِن الزِّنا بالفَقر في أكثَرِ من مَوضِعٍ في الأثَرِ لِما لهُ مِن فسادٍ للمُجتَمعاتِ وهَدمٍ لِبنيانها. 

4. الربا والكَسبُ المُحرَم: عن عَمرو بن العاصِ رضِيَ الله عنهُ عن رَسولِ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام أنَّهُ قال: (ما مِن قومٍ يَظهرُ فيهِمُ الرِّبا إلَّا أُخِذوا بالسَّنةِ وما مِن قومٍ يَظهرُ فيهم الرِّشا إلَّا أُخِذوا بالرُّعبِ). ‏وقَد وَعَدَ الله المُتَعامِلينَ بالرِّبا بالفَقرِ والخَسارَةِ، فقالَ في كِتابِهِ العظيم: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ )؛ فيَمحَقُ اللهُ الرِّبا بأن يذهبَ بِهِ كلّه أو يذهب بِبَرَكَتِه وفي كِلاهُما فسادٌ في المالِ وذهابٌ للرِّزقِ. ‏ 

‏5. نقص المكيال والميزان: ويَشهَدُ تاريخُ الأمَمِ الغابِرةِ على صِدقِ وبيِّنةِ هذا السَّببِ، وقَد أخبَرَ بِهذا رَسولُنا عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُحذِّرًا أمَّتَهُ الفَقرَ والخَرابَ.  ‏‏روى عبد الله بن عُمر - رضى الله عنهما-: (أقبلَ علينا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ يا معشرَ المُهاجِرينَ خمسٌ إذا ابتُليتُمْ بِهِنَّ وأعوذُ باللَّهِ أن تدرِكوهنَّ لم نَقصُ المِكيالِ والمِيزان: ويَشهَدُ تاريخُ الأمَمِ الغابِرةِ على صِدقِ وبيِّنةِ هذا السَّببِ، وقَد أخبَرَ بِهذا رَسولُنا عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُحذِّرًا أمَّتَهُ الفَقرَ والخَرابَ.  ‏

6. ‏قطع الرحم: فصِلَةُ الرَّحمِ من الطَّاعاتِ الجالِبةِ للرِّزقِ والبركةِ وقطيعةُ الرَّحمِ مَفسَدةٌ وظُلمٌ ومعصيةٌ تستَدعي تعطيلَ الرِّزقِ ومَنعِه، عن أنس بن مالك رَضِيَ الله عنهُ أنَّ رَسولَ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قال: (مَن أحَبَّ أنْ يُبسَطَ له في رزقِه ويُنسَأَ له في أجَلِه فلْيتَّقِ اللهَ ولْيصِلْ رحِمَه).

 

أسباب تمنع الرزق 


أسباب تمنع الرزق  وتضيقه عليك، فقد ذكر أهل العلم عشرة أسبابٍ تحجب الرزقَ عن العبد، أو تمحق البركة منه، وفيما يأتي بيان البعض منها:

• تواكل العبد وعدم أخذه بأسباب الرزق والعمل لتحصيله.
• إتيان المعاصي والمحرّمات؛ وهي من أعظم أسباب حجب الرزق عن العباد.
• كفر النعم وازدراء ما رزق الله -تعالى- من عطايا.
• البخل وعدم حبّ الإنفاق والعطاء في سبيل الله تعالى.
• التهاون في بعض الأعمال التي تُوصف بأنّها شركٌ؛ كالحلف بغير الله، أوالذبح لغير الله، أو الاعتقاد بوجود نفعٍ أو ضرٍّ من الأموات، وما شابه ذلك.
• التقاعس عن إخراج مال الزكاة، فإنّ ذلك حجابٌ للغيث على الناس.
• تناسي فضل الله تعالى، ونسب الأفضال والعطايا إلى غيره من البشر.
• ترك بعض الواجبات والفرائض والانشغال عنها بطلب الرزق وتحصيله، فمن ينال من رزقٍ بترك الفرائض نزعت من البركة والخير.
• تساهل العبد في أكل المال الحرام؛ فإنّ المال الحرام غالبًا ما تُمحق منه البركة، ولا تحلّ إلّا بالطيّب الحلال من الرزق. عدم الاحتكام بأحكام القرآن الكريم، والاحتكام إلى سواه من شرائع وقوانين أهل الأرض.


 ‏أنواع الرزق

 ‏قدر الله لعباده أنهم مرزوقون مِن مُلكه بأحدِ صورتينِ؛ فالأولى: رزق رباني: يَطلُبُ العَبدَ ويُقسَمُ لهُ من غيرِ كدٍّ ولا طَلَب، ويتحقَّقُ امتِلاكُ العبدِ لَهُ من أبوابَ مُختَلِفةٍ كالميراثِ. والصُّورةُ الثَّانيةُ للرِّزقِ فإنَّما تتمثَّلُ: باجتهاد العبدِ وسعيِه للعمل والكسب الحلال الطيِبِ، فَهوَ رِزقٌ يَطلُبُه العَبدُ ويسعى لامتِلاكِهِ وتحقيقِه، وكِلتا الصُّورتينِ من صورِ لرِّزقِ لا تتحصَّلُ إلا برحمةِ اللهِ وإرادته.البركة في الرزق وأسبابه:
من يسعى إلى تحقيق البركة في الرزق لا بد من قيامه ببعض الأمور، أبرزها:


1. تحقيق تقوى الله -عز وجل-: والتقوى تعرف بأنها جعل المسلم حمايةً ووقايةً بينه وبين العذاب من الله -تعالى-، ويتحقّق ذلك؛ بالقيام بالطاعات والعبادات، وتجنب الوقوع بالمنهيات والمحرمات، ودليلها قول الله -تعالى-: « وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ». 

2. تلاوة القرآن الكريم وتدبره: حيث إن القرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة، ولحافظه، وقارئه، مع الحرص على مداومة تلاوته طوال السنة، وعدم الإقتصار على تلاوته في شهر رمضان المبارك.  

3. الصدق في البيع والشراء: مع بيان ما في السلعة من عيوبٍ إن كان فيها ذلك؛ فالصدق يحقّق البركة، ويزيد الرزق.

4. الصدق بين الشركاء: فالوفاء والصدق والإخلاص بين الشركاء؛ يبارك تجارتهم وعملهم، ويزيد رزقهم، ويدر عليهم الخير الوفير.

5. الإبتعاد عن الفسق: كتحليل الأمور المحرمة في الإسلام؛ كالزنا، وجحد أمور الدين المعلومة بالضرورة، كأركان الإسلام، وأركان الإيمان، وإما أن يكون فسقًا أصغر يتمثل بارتكاب الذنوب والمعاصي مع العلم بحرمتها، ولا تخرج صاحبها من الإسلام، لكن عليه المُسارعة إلى التوبة والاستغفار، والرجوع إلى الله - تعالى-.

6. القيام بالأعمال في الأوقات الباكرة: فالكسل وعدم الاستيقاظ في الأوقات الباكرة، والتأخر في الذهاب إلى الأعمال يؤدي إلى انتزاع البركة منها، فعلى المسلم الاهتداء بالسنة النبوية، والاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-

7. التقرب إلى الله -عز وجل- بالدعاء، فالدعاء من أعظم العبادات، كما أنّه صلةٌ بين العبد وربه

8. التوكل على الله - تعالى- ، مع الحرص على الكسب والسعي له، وعدم الجلوس في البيت وانتظار العمل.

9. بر الوالدين، وصلة الأرحام، حيث إنهما متصلان بالله - تعالى-؛ فالواصل لرحمه وصله الله، والقاطع لرحمه قطعه الله .

10.البعد عن أكل المال الحرام: لأن المال الحرام غالبًا يمحق البركة في الرزق، كما يحدث في غالب الوقائع.