الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سمير غريب يكتب : قضايا سوق الفن التشكيلي

دكتور سمير غريب
دكتور سمير غريب

نسخة الكتاب الذي أتناوله ثمنها ألف جنيها. لم اشترها بالطبع لأنها فوق طاقتي. كان يمكن أن يكون سعرها نصف هذا المبلغ في تقديري بالمستوى الفاخر. لكنه كتاب مهم في موضوعه باللغة العربية. مهم فيما يثيره من قضايا بالأدلة والشواهد في الفن المصري، وإن كانت معظم مقالات هذا الكتاب سبق نشرها في جريدة روزاليوسف منذ عدة سنوات، وقرأها من أستطاع وقتها مجانا تقريبا. إلا أن جمع هذه المقالات في كتاب مزودة بالصور الملونة يعيد إليها الحياة ويبقيها شاهدة.    


عنوان الكتاب طويل :"قضايا سوق الفن التشكيلي من وحي سوق الفن وعوالم الملكية الفكرية". المؤلف هو الأستاذ ياسر عمر أمين الباحث والقانوني في مجال الملكية الفكرية. مايلي ملخص شديد لأهم ما ورد بالكتاب مع بعض ملاحظاتي التي أبدأها بأنه متكرر الأسف والشكوى، عن حق، من تجاهل القانون والاعتداء عليه سواء من مسئولين، في قطاع الفنون ونقابة الفنانين، أو فنانين أو أصحاب قاعات عرض.   


ذكر المؤلف كتالوج الفنان "محمود سعيد " الصادر عام 1997 ونسبه للفنان عصمت داوستاشي. الحقيقة أن هذا الكتالوج قام على جهد جماعي كبير اشترك فيه الفنان عصمت داوستاشي والفنان المرحوم الدكتور مدحت متولي ومصورون فوتوغرافيون. تحمل كل تكاليف نشره الكبيرة صندوق التنمية الثقافية أثناء إدارتي له، لولاه ما صدر ببساطة. يُقر المؤلف بأن هذا الكتالوج يعد من أهم المراجع التي تم الاستعانة بها من دور المزادات العالمية.. كما ذكر المؤلف أسماء كتب لناقد وفنان مصري آخر يتم الاستعانة بها عند بيع اللوحات. هذا أمر عجيب لأنه من الأسماء التي وقعت على شهادات بصحة أعمال مزورة.  


بعد ذلك يسرد لنا المؤلف بالتفاصيل حالات مأساوية لاختفاء أعمال فنية مصرية. الواقع أن هذه الأعمال تمت سرقتها عن طريق مصريين وبيعها خارج مصر: بادئا بلوحة أحمد صبري "تأملات" المشهورة باسم " الراهبة" والتي خرجت من متحف الفن الحديث للعرض في الخارج في ستينيات القرن الماضي ولم تعد حتى اليوم  إلى المتحف وكان يجب ذكر أنها موجودة في منزل رئيس وفد مصر في الأمم المتحدة في نيويورك. كذلك لوحة محمود سعيد المفصلية "ذات الجدائل الذهبية" التي اعتبرها السرياليون المصريون أيقونة وعرضوها في اول معرض جماعي لهم سنة 1940.

 

وكان يجب ذكر أنها لم تكن يوما ملكا للدولة، وقد تم بيعها من مقتنيها إلى متحف قطر. ولوحة عبد الهادي الجزار "إنسان السد" التي أكدت ابنتا الجزار السيدتين : ياسمين وفيروز رؤيتها في متحف الفن الحديث في مارس 2012. لذلك تبرز أهمية نشر "كتالوج مُسبَب" لأعمال الجزار، وهو ما عمل على إعداده بالفعل الثنائي: الدكتور حسام رشوان والناقدة الفرنسية فاليري هيس، والمنتظر صدوره قبل نهاية العام القادم ليكون الكتالوج المُسَبب الثاني لفنان مصري بعد محمود سعيد. 


يستخدم المؤلف تعبير "اللوحات المنسوبة" حرصا أو تأدبا!! ويقصد بها المزورة. يستشهد بلوحة سيف وانلي لثلاث راقصات باليه، كنت قد كتبتُ عنها هنا من قبل. ولوحات مزورة لمحمود سعيد وأخرى لكامل مصطفى كان قد ذكرها ابنه الدكتور يوسف. يضع المؤلف التوصيات القانونية والفنية اللازمة للحماية من التزوير. لكنه لا يضع يده بالطبع على المزورين فهو ليس جهة تحقيق، وإن كانت أسماءا منهم متناثرة. ولا يذكر أسماء الفنانين "الكبار" الذين منحوهم شهادات موقعة ومختومة بصحة الأعمال " المزورة"!! بينما تم نشر صور بعض من هذه الشهادات على بعض صفحات الفيس بوك. 


هناك مقالات أخرى لحالات أخف يذكر فيها المؤلف اسماءا صريحة. مثل شكوى الفنانة أحلام فكري وما اثير من جدل حول أحقية الفنانة شيماء صبحي بجائزة في صالون الشباب في دورته 25. كذلك ما أثير حول عمل "اللحظة الأخيرة في الجنة" الذي شاركت به الفنانة إيمان أسامة في الدورة 57 لصالون القاهرة، وما ورد من أنه مقتبس من عمل للفنانة الراحلة "آمال قناوي". في النهاية يبرئ المؤلف ساحة الفنانة "إيمان أسامة". 


تناول المؤلف قيام الكاتب محمد سلماوي، جائزة النيل، بصب نسخة من البرونز من نسخة من الجبس يملكها لتمثال " الفلاحة" لمحمود مختار، وإهداء البرونز لمتحف مختار، لأنه "يخالف ويناقض أبسط مبادئ قانون حق المؤلف" كما كتب المؤلف مع شرح التفاصيل.  كما تصدى بقوة إلى ما صرح به الفنان الدكتور صبري منصور بأنه نَفّذ لوحة "حفر قناة السويس " للفنان عبد الهادي الجزار مستنكرا ذلك. ورفض فكرة أعلنها رئيس قطاع الفنون بعمل نسخة جديدة من تمثال "كاتمة الأسرار" لمحمود مختار في الإسكندرية بدلا من النسخة التي تحطمت. ورفض التشويه الذي حدث لتمثال أم كلثوم للفنان طارق الكومي في الزمالك.   


يتناول المؤلف لوحة جدارية للفنان صلاح عناني بعنوان "مائة عام من التنوير" كان أهداها عام 1992 إلى مسرح السلام، تم تقطيعها لاستخدامها ضمن ديكورات عرض "رجل بلا أجندة". الواقع أن هذه الجدارية مأخوذة عن لوحة رسمها الفنان نفسه بطلب مني عندما كنت مديرا لصندوق التنمية الثقافية لمواكبة معرض تسجيلي كبير، لم يتكرر، نظمه الصندوق بعنوان "مائة عام من التنوير" وأقيم في مجمع الفنون بالزمالك (قصر عائشة فهمي) عام 1989 بمناسبة مرور مائة عام على ميلاد الرواد:طه حسين والعقاد والمازني.أُطلق العنوان ذاته على معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1990. تمت طباعة هذه اللوحة وتوزيعها مما تسبب في انتشارها وشهرتها على الرغم من أنها جمعت رموزا مصرية ثقافية كثيرة متنوعة مختلفة الأعمار. 


يتحدث الأستاذ ياسر عمر أمين عن شهادات توثيق الأعمال الفنية التي انتشرت في مصر في السنوات الأخيرة واتضح أن منها ما صدر لأعمال مزورة، فيرفض فكرة تخصيص جهة واحدة لإصدار هذه الشهادات ويقول أنه غير معمول بها في العالم. ويقرر أن ضمان العمل الفني تكون في "شهادة توثيق الصحة" غير الرسمية التي يوقع عليها خبير أو أكثر أو جمعية فنية متخصصة مع تحمل المسئولية عن التوقيع. ولا جدوى من تنصل موقع الشهادة من مسئوليته عنها بكتابة عبارة تقليدية:" دون أدنى مسئولية منا" كما يحدث في مصر. يضرب على ذلك مثلا بلوحة "البعث" المنسوبة للفنان عبد الهادي الجزار. ينهي المؤلف كتابه بنشر نص تقرير علمي مفصل من الفنانة والناقدة الدكتور أمل نصر عن لوحات مزورة منسوبة لسيف وانلي. وكذلك ينشر وثائق أخرى.

254659707_3294857310801085_8772793913853220924_n
254659707_3294857310801085_8772793913853220924_n