الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بخط يده| نجيب محفوظ عن مديره في العمل يحيى حقي: كتاباته "خيشت" في عقلي

الأديبان الراحلان
الأديبان الراحلان يحيى حقي ونجيب محفوظ

جمع الأديبين نجيب محفوظ ويحيى حقي، علاقة صداقة وعمل، وعلى مدار سنوات اعتبر أديب نوبل، حقي أستاذه ومُعلمه، البداية كانت بقراءة أعماله دون معرفة شخصية به، حتى التقيا وترأس محفوظ لاحقا في العمل بجانب صداقتهما التي استمرت لعقود.

أفصح محفوظ عن علاقته بالأديب الراحل يحيى حقي - الذي يحل اليوم 7 يناير ذكرى ميلاده، كما أوضحت ابنته الإعلامية نهى حقي عبر حسابها بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، ودونها في مذكراته الشخصية، ثم في مقال كتبه بنفسه مقدمة كتاب “رسائل يحيى حقي إلى ابنته  نهى حقي” الصادر عام 1995، كذلك رواها للصحفي إبراهيم عبدالعزيز تلميذ يحيى حقي.

 

قنديل أم هاشم

تعرف نجيب محفوظ إلى يحيى حقي أديبا مبدعا حين قرأ له "قنديل أم هاشم" سنة 1945، ولكنه كان يكتب قبل هذا التاريخ لأنه من مؤسسي القصة القصيرة في مصر والعالم العربي، وقال: "حين كان أبناء جيله يكتبون لم نكن نقرأ، وحين بدأنا نقرأ انقطعوا جميعا عن الكتابة تقريبا ما عدا المرحوم محمود تيمور".

رسائل يحيى حقي إلى ابنته نهى حقي
رسائل يحيى حقي إلى ابنته نهى حقي

 

وتابع محفوظ: "وكان قد سافر تيمور إلى أشغال مختلفة، ومنهم الأستاذ يحيى حقي الذي اختفى في السلك السياسي، ولذلك لم أعرفه إلا من خلال "قنديل أم هاشم" حين كنت متابعا لسلسلة "اقرأ" التي تصدرها دار المعارف، وكانت مفاجأة جدا لي لأنني وجدت أدبا عذبا جدا، جميلا جدا، إلى درجة أستطيع ان أقول معها إن "قنديل أم هاشم" والثلاث قصص الملحقة بها في هذه المجموعة القصصية القصيرة "خيشت" في عقلي.

وعشقت كاتبها على غير معرفة أو اتصال به، ولكني عرفته كفنان كبير صحب فن عظيم أمتعني فنه وأدبه، وجمال أسلوبه، وحين سألت عمن يكون يحيي حقي، علمت انه في السلك السياسي، فكانت هذه أول معرفة به.

توقيع نجيب محفوظ بمقاله عن يحيى حقي
توقيع نجيب محفوظ بمقاله عن يحيى حقي

 

مدير العمل

واستكمل: "ثم تعرفت عليه في نادي القصة وكنت ممن يدعوهم وآخرين إلى بيته حيث كان يقيم أولا في الزمالك، يحاضرنا عن الأسلوب ودقته والأشياء التي اهتم بها في حياته، وأتيحت لي فرصة الاقتراب منه اكثر خلال الفترة التي انشأ فيها فتحي رضوان وزير الإرشاد "مصلحة الفنون" من سنة 1955 إلى 1959 وكان أستاذ يحيى حقي أول وآخر من تولاها كمدير له.


واقترح أن يأخذ مساعدين له، أنا وأحمد باكثير، وبدأنا نعمل معه في مصلحة الفنون، وهناك ارتبطت به عن قرب لأنني كنت مديرا لمكتبه، وقد لمست فيه البساطة والتقدمية والإقدام والاستنارة دون أن يدعي أو يزعم هو شيئا من هذا، فقد كان سلوكه يشي به ويدل عليه"

838758_0
838758_0

 

عن علاقة يحيى حقي بموظفيه، فإن نجيب محفوظ لم يره مرة واحدة يمارس سلطات الموظفين على مرءوسيه وطوال لفترة التي عاشها معه مرءوسا له لم يشعر أنه يعمل مع مدير، وإنما هو رجل صديق ودود، كانت حجراتهم متجاورة، وكان يترك مكتبه ويأتي إلينا ليتحدث مع محفوظ وباكثير، ويقول: "كما كنا نذهب إليه لنتحدث معه، وعند مغادرته لمكتبه، وكان قد استقر في "مصر الجديدة" وكنت لا أزال أقيم في العباسية كان يصطحبني معه في الأوتومبيل الخاص به وينزلني في شارع "رضوان شكري" حيث أقيم، ثم يمضي هو إلى حيث يسكن".

 

صداقة وأدب

وأضاف أديب نوبل: "وتواصل الحوار فيما بيننا في المكتب والأوتومبيل في كافة شئون الحياة والأدب، وقد نختلف في الآراء ووجهات النظر، ولكنه اختلافا بين اثنين لديهما استعداد للاختلاف، مثلما لديهما الاستعداد للاتفاق، فقد كان كل منا يحترم رأي الآخر حتى لو اختلف معه، واتصلت علاقتي بالأستاذ حقي، أديبا بأديب، بل إلى ما هو أعمق من ذلك على المستوى الإنساني.

a8b51253b32bf01a771a23178ca62846
a8b51253b32bf01a771a23178ca62846

 

وإن كنت كموظف ملتزم أقوم لتحيته إذا أقبل وإن كان هو قد أنكر ذلك السلوك مني باعتباري أديبا كبيرا كما كان يقول، ولكنني كنت كموظف أعطي الوظيفة حقها فهو مديري يعني مديري رغم الصداقة والعلاقة الإنسانية، لكنه حين كان يأتي لابد من الوقوف تحية له.

لا أعرف غير ذلك سلوكا من موظف نحو رئيسه حتى لو كانت صداقتي به تبرر لي أن اعامله غير ذلك، ولكنني كنت أقوم له كنوع من التحية وأدب الوظيفة، لأنني طوال عمري موظف تأدبت بآداب الموظفين، وكنت لا أقف لأناس - لا تؤاخذني - كانوا يحملون الإبتدائية القديمة فكيف لا أقف "ليحيى حقي ؟".

يحيى أحق بنوبل !

وبعد انتهاء فترة العمل معا، لم تنقطع علاقتهما حتى بعد أن باعدت بيننا الأيام، فقد اتصلت هذه العلاقة في كل فرصة حتى عندما دخل محفوظ في دور الشيخوخة وكان هو قد اعتزل الحياة العامة، إلى حيث أراد أن يعيش في الظل، فكان محفوظ دائما ما يسأل عليه عبر التليفون.

وعن الفوز بجائزة نوبل، أوضح محفوظ سبب إهدائها لحقي قائلا: "وحين فاز الأدب العربي بجائزة نوبل ممثلا في شخصي، رشحت وأهديت الأستاذ يحيى حقي هذه الجائزة كواحد من المبدعين الممتازين الذين يستحقونها لولا الحظ الذي لم يجعلهم ينالونها، فقد كنت القصة القصيرة التي كان يكتبها الأستاذ يحيى حقي من أجمل ما كُتب في الأدب المصري والعربي المعاصر، هو أحد عمدها المؤسسين، ليس هذا شك أو تجاوز.

وكان كل منا يهدي كتبه للآخر، وعلى قلة ما أبدع الأستاذ يحيى حقي فإن كل آثاره تبقى مرشحة للخلود والبقاء، فمجموعاته القصصية القصيرة على قلتها كانت كلها "نقاوة" تبقى ما بقى الأدب يٌقرأ، وحين يؤرخ لتاريخ الأدب وكتابه خلل الفترة التي عاشها الأستاذ يحيى حقي، سيكتب عنه ضمن من أبدعو في أكثر من مجال، فهو سوف يذكر بين كُتاب المقالة، كما سوف يذكر بين كتاب النقد ، وفي القصة القصيرة سيذكر أجمل ذكر".

 

وداع الرحيل

وفي رثاءه قال محفوظ: "إذا كان الأستاذ حقي قد غاب بجسده عنا، فإن اعماله لا تغيب، وقد بقى أثرها في نفسي لا يُمحى أبدا، وعلى المستوى الإنساني أشعر من ناحيته دائما بشعور طيب جميل لا يتغير أبدا.

أما حياته فقد كانت بالنسبة لي ثروة كبيرة، وكانت وفاته خسارة أكبر، ولا أخفي أنه كان من الناس الذين حزنت عليهم حزنا شديدا جدا، فقد كان صديقا لا يُعوض، نزيه الفكر، صافي القلب، بسيطا ممتعا في كتاباته وأحاديثه".