الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في أول حوار حول جدوى مشروعات البنية التحتية وحياة كريمة.. خبراء يطالبون بمراجعة أولويات تنفيذ المشروعات الكبرى وتحقيق الحوكمة في ظل الأزمة الاقتصادية

المركز المصري للدراسات
المركز المصري للدراسات الاقتصادية


 عبلة عبد اللطيف:19.5% زيادة في الاستثمارات الحكومية بالموازنة
 طارق توفيق: مشاركة القطاع الخاص في مشروعات الطرق ضرورة لتقليل الأعباء
إيمان حلمي: 30% من سكان مصر تحت خط الفقر
 
 


 
عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، جلسة حوارية بعنوان: "عن مشاريع مصر العملاقة: البنية التحتية وحياة كريمة"، ضمن أعمال المؤتمر السنوى الثامن والعشرين لمنتدى البحوث الاقتصادية ERF، وهو التعاون الثانى من نوعه، حيث تم الاتفاق على أن ينظم المركز المصرى للدراسات الاقتصادية جلسة خاصة عن الشأن المصرى خلال المؤتمر السنوى للمنتدى، وهو أول حوار من نوعه حول جدوى المشروعات القومية الكبرى فى مصر.

وعرضت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، ورقة عمل أعدها المركز، لدراسة مشروعات البنية التحتية فى مصر بالتركيز على شبكة الطرق، ومشروع حياة كريمة، وهى مشروعات ضخمة وهامة جدا، وتستحوذ على حجم إنفاق ضخم للغاية، وترتبط باستثمارات حكومية، لافتة إلى ارتفاع حجم الاستثمارات الحكومية فى الموازنة من 8.4% عام 2014 إلى 19.5% فى موازنة العام المالى الحالى 2021/2022.


 
وأشارت إلى الحجم الضخم لاستثمارات المشروعين حيث تصل حجم استثمارات شبكة الطرق إلى نحو 740 مليار جنيه، فى حين تقدر حجم استثمارات مشروع حياة كريمة بنحو 700 مليار جنيه على 3 مراحل يستفيد منها نحو 60 مليون مواطن فى 4584 قرية.
 
وتهدف الدراسة إلى التعرف على مدى تحقيق هذه المشروعات العملاقة لأولويات التنمية، خاصة مع أهميتها الكبيرة حيث تمس حياة الناس بشكل مباشر، وما هى مصادر تمويل هذه المشروعات ومدى الضغط الذى يمكن أن تمثله على قدراتنا التمويلية خاصة فى ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، وإلى أى مدى يشارك المستفيدين فى صنع القرار، وطبيعة المعلومات المتاحة عن الإطار المؤسسى لهذه المشروعات.
 
وأكدت عبد اللطيف على أهمية هذه المشروعات ووجود ترابط كبير بين هذه المشروعات مع خطة التنمية، ولها العديد من الإيجابيات، ولكن على الجانب الآخر هناك حاجة ملحة لمراجعة الأولويات فى مشروعات البنية التحتية وتنفيذ الأكثر إلحاحا، تحديدا فى المشروعات الجديدة، خاصة بعد تعويم العملة، والتوقف عن تنفيذ الأجزاء غير الضرورية، مشددة على ضرورة مراجعة أعمال بناء المبانى الحكومية فى الاستثمارات العامة والتى ارتفعت بشكل كبير حيث تستحوذ على نحو 70% من الإنفاق الحكومى بموازنة السنة المالية الحالية وهو حجم ضخم جدا، الأهم منه هو تقديم الخدمة وليس إنشاء المبانى.
 
ودعت عبد اللطيف إلى توحيد جهود جميع الجهات من حكومة وقطاع خاص ومجتمع مدنى لتقليل المبالغة فى التكفلة وتحسين الاستخدام، وتوافق المشروعات المنفذة مع أولويات التنمية، مطالبة بالشفافية فى تنفيذ المشروعات والتوقف عن الإسناد المباشر لأنه يتسبب فى زيادة التكلفة، كما طالبت بتوحيد موازنة الدولة لتشمل موازنات الهيئات لمعرفة حدودنا فى الإنفاق واتخاذ القرارات بشكل صحيح.
 
أما بالنسبة للمشروعات القائمة بالفعل والجارى تنفيذها، طالبت الدراسة باستكمال ما يتم من مشروعات بنية تحتية، بتنفيذ السياسات التى تتماشى معها، بمعنى أن أحد أهداف المشروع القومى للطرق يتمثل فى جذب الاستثمارات، ولكنه لا يكفى لتحقيق هذا الهدف، بما يتطلب سياسات متكاملة لجذب الاستثمار فى مصر، وتحقيق الهدف من هذا الإنفاق الضخم.
 
وشددت عبد اللطيف على أهمية اللامركزية فى تنفيذ المشروعات، ووجود إطار مؤسسى قوى مسئول عن تنفيذ مشروع حياة كريمة بخلاف الإطار الحالى الذى يعد أبسط من حجم المشروع، داعية لتقييم تأثير هذه المشروعات على الناس من خلال جهات خارج الحكومة تتمثل فى المجتمع المدنى لتدارك أى أخطاء غير مقصودة فى التنفيذ، بالإضافة إلى تدريب أهالى قرى حياة كريمة على الوظائف التى تخلقها المشروعات المنفذة، والتركيز على خلق فرص عمل مستدامة.
 
وفيم يتعلق بمشروعات الطرق، أكدت الدراسة على الحاجة إلى مسئولية متكاملة فى رعاية الطرق وصيانتها، ونشر الوعى بهذه الطرق وتعريف المواطنين بها، حتى يتم استغلالها بالشكل الأمثل والاستفادة من هذا الإنفاق.
 
وأوضحت عبد اللطيف، أن الإصلاحات الكبيرة والجهود الضخمة التى تتم، لابد أن يتم استكمالها بسياسات لتحقيق الهدف وتحقيق العائد من هذه الاستثمارات.
من جانبه أكد طارق توفيق نائب رئيس اتحاد الصناعات ورئيس الغرفة التجارية الأمريكية فى مصر، ومدير الندوة، على أهمية إصلاح السياسات ومراجعة الأولويات، مبررا الإسراع فى تنفيذ مشروعات البنية التحتية بهذا الإنفاق الكبير، بأنها جاءت نتيجة حوار دام سنوات طويلة، وكان التنفيذ مطلوبا وملحا لتحقيق أهداف التنمية، ولكن من الضرورى معرفة تأثيرها على حجم الدين العام، وقدرتها على تحمل أعباء خدمة الدين خاصة فى ظل تأثير التطورات الاقتصادية الأخيرة وتخفيض قيمة الجنيه مرة أخرى خلال 6 سنوات، ودعوة الحكومة لإجراء إصلاحات عاجلة وتقشف فى القريب العاجل لدرء المشكلة.
 
وشدد توفيق على أهمية مشاركة القطاع الخاص فى مشروعات البنية التحتية لتخفيف العبء على عاتق الدولة، مشيرا إلى أن انكماش القطاع الخاص وتراجع دوره تعد ظاهرة مقلقة – على حد تعبيره.
 
وقال محمد قاسم عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات والأمين العام للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أن الاهتمام بمشروعات البنية التحتية والمشروعات الكبرى أمر مفهوم ومطلوب، ولكنه لا يتعارض مع الاهتمام بالأنشطة الإنتاجية من الصناعة والزراعة وغيرها من القطاعات، خاصة وأنها الأكثر تأثيرا فى خلق وظائف مستدامة، داعيا لإفساح الطريق أمام القطاع الخاص للقيام بدوره فى الإنفاق الاستثمارى.
 
ودعا قاسم، الحكومة إلى تطبيق تجربة مشروع "وظيفتك جنب بيتك"، والذى خلق تجمعات صناعية تصديرية من خلال الشباب موزعة جغرافيا فى القرى، خلقت وظائف مستدامة، ونجحت بشكل كبير على مدار الأعوام السبعة الماضية منذ تنفيذ المشروع فى محافظة القليوبية، وذلك بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع والمدنى، بما حقق العديد من الأهداف الإنتاجية والتنموية فى القرى.
 
من جانبه شرح الدكتور أسامة عقيل أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس والخبير الدولى فى المجال، جهود الحكومة فى المشروع القومى للطرق، والذى يتضمن تنفيذ شبكة من الطرق تصل أطوالها إلى 7500 كيلو متر تعادل حجم ما تم تنفيذه فى مصر من شبكة طرق على الإطلاق، معظمها من الطرق الحرة مما سيحدث نقلة كبيرة فى الاقتصاد المصرى.
 
وأرجع عقيل أسباب الإسراع فى تنفيذ هذا الحجم من الطرق بإنفاق ضخم فى فترة زمنية قصيرة، إلى التأخر لما يزيد عن 30 – 40 عاما فى هذا المشروع، حيث لم يكن هناك أى إنفاق فى قطاع الطرق والنقل، بما تسبب فى حالة تردى شديد للطرق، كان سيمثل عائقا كبيرا أما جهود التنمية وجذب الاستثمار إذا لم يتم تنفيذه بهذه السرعة.
 
وأوضح عقيل أن دراسات البنك الدولى والجهات البحثية تشير إلى أننا نخسر نحو 4 مليار دولار سنويا نتيجة الاختناقات المرورية، وهى خسائر لا يمكن تحملها، وإذا تركت بهذا الوضع دون تطوير ستكون النتائج توقف تام.
 
وشدد عقيل على أهمية تنفيذ مشروعات الطرق، فى ظل التوسع فى المدن الجديدة، حتى لا يتكرر الخطأ السابق بإنشاء مدن جديدة دون شبكة طرق لربط المناطق ببعضها، مما نتج عنه انعزال هذه المدن، مؤكدا على أهمية وجود إطار مؤسسى لإدارة شبكة الطرق تختلف عن الجهات المنفذة، حتى يتم إدارتها بشكل يضمن صيانتها ويحول دون تدهورها كما حدث فى السابق.
 
الدكتورة إيمان حلمى اقتصادى أول قطاع الممارسات العالمية لشئون الفقر والإنصاف فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولى، أكدت على أهمية المشاريع الكبرى من خلال ربط الأسواق ببعض وتحسين الدخل وخلق فرص العمل، مشيرة إلى قيام الحكومة المصرية بدور كبير فى تطوير البنية التحتية منذ عام 2015، وهناك تحسن اقتصادى واضح مقارنة بالدول الأخرى فى هذا الوقت.
 
وأوضحت حلمى أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن 30% من المصريين يقعون تحت خط الفقر، وهو ما استدعى تنفيذ مبادرة حياة كريمة لتحسين حياة المواطنين فى الريف والمناطق الفقيرة، لافتة إلى أن المشروعات الكبرى تسهم فى زيادة العمالة الرسمية وتقليل العمالة غير الرسمية، وتحسين أوضاع الحياة للفئات المستفيدة، كما أن الاستدامة البيئية تحسن وضع الاقتصاد الأخضر فى مصر، بالإضافة إلى البنية التحتية الاجتماعية التى تتضمنها هذه المشروعات من خلال تحسين الحياة الاجتماعية وتوعية الفئات المستفيدة بالخدمات المتاحة لها.
 
وشددت حلمى على أهمية الحوكمة ووجود إطار مؤسسى قوى حاكم لهذه المشروعات القومية، كشرط لنجاحها، وضرورة دراسة التكلفة والعائد من هذه المشروعات، لافتة إلى أنه لتكون المشروعات الكبرى فعالة ومستدامة نحتاج لوقت طويل، ولكننا نسير فى الطريق الصحيح.
 
من جانبها قال منى أمين منسق برنامج "وعى" للتنمية المجتمعية مستشار التضامن الاجتماعى  لملف التعاون الدولى، أن الحكومة تنفق الكثير على الاهتمام بالبنية التحتية وتطويرها، لافتة إلى أن الوزارة محملة بمسئولية التعامل مع الطبقة الفقيرة فى قرى حياة كريمة وتحسين استفادتهم من المشروع.
 
وأشارت أمين إلى أن برنامج تكافل وكرامة يعمل على تطوير حياة الفقراء، وتوسيع استفادتهم بالخدمات المتاحة من خلال الدعم المشروط بالحصول على هذه الخدمات كشرط استمرار الأبناء فى التعليم حتى سن 18 عاما، واستفادة الأم والطفل من التأمين الصحى، للحصول على الدعم.
 
وأضافت أمين أنه يتم العمل على تطوير البنية التحتية التكنولوجية للقرى ضمن برنامج حياة كريمة، وهو ما يمثل تحديا، حتى تتحقق الاستفادة الكاملة للقرى من المشروع ودعم قدرتهم على الحصول على الخدمات، لافتة إلى وجود مشكلة تتمثل فى عدم وعى العائلات فى هذه القرى بالبرامج والخدمات المتاحة وكيفية الحصول عليها، وطرق الوقاية من الأمراض وغيرها من الخدمات المتعلقة بالجوانب الصحية، وهو ما يتم استهدافه ضمن تطوير الأسر بقرى حياة كريمة، مشيرة إلى تعاون منظمات المجتمع المدنى سواء الكبيرة أو الصغيرة التى تستعين بها لمعرفتهم بشكل أكبر بالوضع فى القرى.
 
وشدد الدكتور إبراهيم البدوى رئيس منتدى البحوث الاقتصادية، على أهمية أن تصاحب سياسات الإصلاح الاقتصادى، سياسة متينة للحماية الاجتماعية كما يحدث الآن فى الحالة المصرية، ولكن من المهم ضمان الاستدامة المالية لهذه البرامج، ولابد أن يكون القطاع الخاص على استعداد لدفع الضرائب للإنفاق على هذه المشروعات.
 
وانتهت المناقشات إلى التأكيد على أهمية المشروعات الكبرى خاصة حياة كريمة، لكن هناك حاجة إلى دعم اللامركزية وتحقيق الاستدامة البيئية، وإشراك القطاع الخاص فى مثل هذه المشروعات، مع مراجعة حقيقية للأولويات فى ظل تغير الظروف الاقتصادية، بالإضافة إلى ضرورة تكامل هذه المشروعات مع السياسات الداعمة لتحقيق الهدف من هذه المشروعات، وأن تتكامل مشروعات البنية التحتية مع سياسات جذب الاستثمار من خلال التركيز على تحسين البنية التحتية للمناطق الصناعية التى فقدت الكثير من الفرص الاستثمارية خاصة فى مناطق الصعيد، بسبب عدم اكتمال البنية التحتية، مع الأخذ فى الاعتبار أهمية حساب التكلفة والعائد من هذه المشروعات لتحقيق أكبر عائد على الاستثمار فى كافة المشروعات الجديدة.