الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مرصد الأزهر يبرز دور الأم في محاربة التطرف والإرهاب

مرصد الأزهر
مرصد الأزهر

نشرت وحدة الرصد باللغة الفارسية التابعة بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، تقريرا بعنوان :"دور الأم بوصفها قدوةً لأبنائها في محاربة التطرف"، موضحاً أن للقدوة الحسنة دورا كبيرا في تشكيل المجتمعات وبنائها، وهي محركة ودافعة للإنسان للارتقاء بذاته في أعلى درجات الكمال، وهي من القيم التي أكدها الإسلام في كثير من الآيات القرآنية، فقال تعالى: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"، وقال سبحانه: "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ  فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ".

 

القدوة الحسنة

ولفت مرصد الأزهر، إلى أنه في أمر مباشر باتخاذ القدوة الحسنة لما فيها من صلاح شأن العباد، ولما تمثله من واقع معاش ومثال حي للمبادئ والقيم التي يدعو إليها الإسلام، ولطالما كان للمرأة دورها البارز في توجيه أبنائها والتأثير في سلوكهم وأفكارهم، فهي المدرسة الأولى التي يستقي منها الأبناء معتقداتهم ومبادئهم، وهي الطريق الذي يقطعونه طوال حياتهم ليصلوا إلى بر الأمان، وهي التي ينظر إليها الأبناء -غالبًا- مثالًا يُحتذى به، ويرغبون في تكراره في صورة زوجاتهم وأبنائهم وأصدقائهم ومحبيهم، فإذا ما كانت الأم لديها العلم الكافي الصحيح، والفكر السديد الذي ينطلق من هدي الإسلام الحنيف؛ فهي بالتأكيد ستنقل ذلك لأبنائها بسلوكها قبل قولها، وسيتبعها أبناؤها حتى لو لم يدركوا جميع المقاصد التي تنطوي عليها تلك السلوكيات، فهي قدوة مباشرة لهم من خلال ما تمارسه من سلوكيات وأخلاق حسنة، وتوجيه نفوسهم إلى الخير وتعويدهم على الصلاح؛ لأن شاهد الحال أقوى من شاهد المقال، والفعل أيسر في إيصال المعاني من القول.

 

وتابع مرصد الأزهر: كما قيل من السهل "تأليف كتاب في التربية، ومن السهل تخيل منهج، وإن كان في حاجة إلى إحاطة وبراعة وشمول، ولكن هذا المنهج يظل حبرًا على ورق، ويظل معلقًا في الفضاء ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض، وما لم يتحول إلى بَشَر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وأفكاره مبادئ المنهج ومعانيه؛ عندئذ فقط يتحول المنهج إلى حقيقة، ويتحول إلى حركة، ويتحول إلى تاريخ.

 

 ولكي تكون الأم قدوة، وحقيقة، وحركة وتاريخًا لأبنائها، فلا بد أن تتحلى بأخلاقيات وصفات معينة نذكر منها: 

إخلاصها في تربية أبنائها واحتمال المكاره من غير ضجر، والتأني في انتظار النتائج مهما بعدت، واحتساب جهدها وتعبها في هذا الطريق لوجه الله تعالى. 

شعورها بالمسؤولية عند غرس القيم والفضائل في أبنائها وحمايتهم، تطبيقًا لقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ". 

ووعيها أن أبناءها أمانة من الله لديها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ"، وحرصها على صون هذه الأمانة هو امتثال لقول الله تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ". 

يقول الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية: "والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولًا وفعلًا، وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك. ورعاية ذلك: حفظه والقيام به، والأمانة أعم من العهد، وكل عهد فهو أمانة فيما تقدَّم فيه قول أو فعل أو معتقد."

وبين: لعل من أعظم الأمانات أمانة الأبناء، زرعها الوازع الديني في نفوس أبنائها، وسعيها نحو ربط قلوبهم بالله ومراقبته في كل تصرفاتهم، ليشبوا على طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه بطيب نفس ورحابة صدر فيحفظون نفوسهم من الزلل وتكون عبادتهم لله متعة روحية يعيشون بها.

 

كذلك سعيها إلى إبعاد أبنائها عن رفقاء السوء الذين يفسدون أخلاقهم ويسيرون بهم نحو الهلاك والضياع ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّما مثل الجليس الصالح والجليس السوء؛ كحامِلِ المسْك ونافخ الكير؛ فحامل المسك: إما أن يُحذيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجدَ منه ريحًا خبيثة"

إضافة إلى غرسها لقيم الانتماء والتعايش وترسيخ مفهوم المواطنة وغيرها من القيم العليا التي يزخر بها تراثنا الإسلامي. أما إذا غاب دور الأم وغفلت عن تبني مسؤوليتها، وأهملت دورها التربوي في إعداد أبنائها، وجهلت انعكاس ذلك على صلاحهم وصلاح الأمة، فإنها بذلك تضع أبناءها بنفسها في مهب الانحراف الأخلاقي أو التطرف الفكري؛ فيبتعدون عن منهج الله وفطرته، ويجهلون أو يتهاونون في شعائرهم الدينية، وينساقون وراء دعوات مغرضة وفتاوٍ مدسوسة، فيسقطون في براثن التطرف الفكري، ويشوهون صورة الإسلام المشعة بالعدل والرحمة والإحسان والتسامح ويصورونه –بممارساتهم الخاطئة- بأنه دين عنف وغلظة، فيفسدون في الأرض ويقومون بأعمال تخريبية، ويخلّون بأمن المجتمع، ويمزقون وحدة الأمة ويضعفون شوكتها، وينشرون الرعب والفزع في نفوس العباد. على عكس الإنسان المتسلح بعقيدته وأخلاقه، المدرك لقيمته، المرتكز على المعاني الإنسانية لرسالة الإسلام التي جاءت لتتمم مكارم الأخلاق، ولتصون الدين والأنفس والأعراض والأموال، والتي لا تطرف فيها ولا مغالاة ولا إفراط ولا تعصب ولا تشدد ولا إكراه ولا إرهاب ولا ترويع للغير، فمثل هذا الإنسان لا ينساق أبدًا وراء دعوات مغرضة، ولا تغريه مصطلحات براقة، بل يقيم نفسه ويهذبها، فيبتعد عن ألوان الانحراف الأخلاقي ويراقب الله في كل أعماله، ويتحلى بمكارم الأخلاق. 

 

وفي الختام يؤكد مرصد الأزهر أن تطرف الشباب وانحرافهم عن السلوك القويم سرطان ينخر في جسد أي مجتمع؛ فيمزق لُحمته، ويبدد نسيجه الأخلاقي والقيمي، مما يجعل القضاء عليه واجبًا دينيًّا ووطنيًّا وإنسانيًّا، والأم بكونها قدوة فطرية لأبنائها، يقع على عاتقها العبء الأكبر في تحصين أبنائها وتأهيلهم ليكونوا عزًّا لدينهم وأوطانهم وأمتهم، فيا أيتها الأمهات: "اصبرن، واحتسبن، وصُنَّ أمانة الله في أنفسكن وأبنائكن".