حسن زايد يكتب : المسـتـشـــار البـشــــــري بين الانقلاب والثورة

يعمد البعض إلي خلط الأوراق حتي تتوه الحقيقة ، وينزوي المنطق المتسق مع طبيعة الأشياء ، انتصاراً لتوجهه أو انتمائه الفكري ، والمستشار طارق البشري قيمة وقامة ، وتوجهه الفكري معروف ، إلا أننا قد عهدنا منه الإنتصار للحقيقة بصفته قاضياً جليلاً يقيس الأمور بمقياس العدل والإنصاف . والمقال المنشور لسيادته في جريدة الشروق العدد 1620 بتاريخ الأربعاء 10 يوليه 2013 م تحت عنوان : " الصراع القائم الآن هو بين الديمقراطية والحكم والانقلاب العسكري وليس بين الإخوان ومعارضيهم " يحوي العديد من المغالطات وخلط الأوراق ،
أولها : ذهابه إلي القول بأن ما حدث يوم 30 يونيه هو انقلاب عسكري ، ليس علي الإخوان وانما علي النظام الدستوري الديمقراطي ... لماذا ؟ . لأنه من وجهة نظر سيادته حركة قام بها الفريق السيسي بعد اجتماع سياسي مع بعض الوجوه التي اصطفاها كي تؤيده ، وأعلن تعطيل الدستور ، وعين رئيساً مؤقتاً بما يعني عزل الرئيس الدستوري ، وصدور قرار باعتقاله ، ثم تساءل : ما هو الإنقلاب العسكري إذا لم يكن ذلك انقلاباً عسكرياً ؟ .وأقول لسيادة المستشار وهو أعلم مني بذلك أن الإنقلاب العسكري في أبسط تعريفاته هو انقلاب جزء من السلطة القائمة علي السلطة والحلول محلها في إدارة شئون البلاد دون شرعية أو مشروعية . أي أنها حركة في قمة هرم السلطة ولا علاقة لها بالقواعد ، فاقدة للشرعية القانونية والدستورية ، ولا تحظي برضا الشعب ولا تأييده . فحركة يوليه 1952 م بدأت حركة انقلابية علي نظام الحكم الملكي ثم تحولت إلي ثورة عندما حظيت بتأييد الشعب لها فاكتسبت بذلك مشروعية الثورات . وثورة يونيه 2013م بدأت ثورة شعبية بحملة تمرد ـ بعيداً عن المعارضة القائمة ــ علي نظام الحكم الإخواني القائم . احتشد لها ما يربو علي الثلاثين مليوناً من البشر علي نحو غير مسبوق في تاريخ الثورات البشرية . ثم أعلن الجيش انحيازه للإرادة الشعبية ، بما يعني أنه لو لم تخرج هذه الملايين للشوارع ما كان للجيش أن يزعم أنه خرج لحماية الإرادة الشبية . وهنا أتساءل بدوري : ما هي الثورة إن لم تكن تلك ثورة ؟ .وما الإسم الذي نطلقه علي ماحدث من الجيش في يناير 2012 م ؟ ! .
ثاني المغالطات : القول بسلامة البناء الدستوري المعيب ، والذي أقر واضعيه باحتواءه علي عوار يحول دون استمراره مع استقامة الحياة . والقول بنزاهة الإنتخابات الرئاسية علي ما بها من مطاعن ، وما ثار حولها من شبهات الضغوط الأمريكية ، فضلاً عن الإبتزاز والتهديد بإحراق مصر ، ومن ثم فإن الإرادة الشعبية قد تعرضت لما يعيب سلامتها المعتبرة علي نحو لا يجوز معه الإحتجاج بها . ونحن هنا لا نهدرها ولكن نكشف حقيقة ما حدث . ثالث المغالطات : ذهابه إلي القول بأن الحراك الشعبي في يناير يختلف عن الحراك الشعبي في يونية وقياس هذا علي ذاك قياس فاسد ، لأن من وجهة نظره حراك يناير كان مجمعاً عليه من جموع الشعب ، بينا حراك يونيه كان منقسماً بين مؤيد ومعارض ولا تحسمه سوي الإنتخابات . والحقيقة أن الكلام هنا معكوس ، فحراك يناير لم يكن مجمعاً عليه لوجود حزب الكنبة ،وجماعة آسفين ياريس ، وميدان مصطفي محمود ، وأغلبية الشعب المصري ما بين صامت ومتردد ، والأعداد في الميادين أفصحت عن ذلك ، وقد تحدث الجميع حينها عن الكتلة الحرجة . أما حراك يونيه فحدث عنه ولا حرج ، ولا يجوز مقارنته بحراك يناير بحال . فقد تحرك ضد الإخوان كل قطاعات الشعب المصري طولاً وعرضاً بما في ذلك حزب الكنبة . هو نظام قد أخرج الجميع عن صمته . فإن كانت جماهير يناير قد أعطت للجيش المصري غطاءًا شرعياً في الخروج علي مبارك ، فإن جماهير يونية من باب أولي قد أعطت للجيش غطاءًا شرعياً لحماية إرادتها ، فضلا عن أن الدستور الإخواني قد أعطي الجيش حق التدخل لحماية الدولة من المخاطر الداخلية .