الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من يوقف اليابان.. محاولة تصريف مليون طن مياة ملوثة بالنووي داخل المحيط الهادئ

قنبلة نووية
قنبلة نووية

"إننا نواجه كارثة، وبناءً على تجربتنا مع التلوث النووي ، فإن الاستمرار في خطط تصريف المحيطات أمر لا يمكن تصوره، فمن يوقف اليابان" .. صرخة تحذير أطلقها هنري بونا، الأمين العام لمنتدى جزر المحيط الهادئ مع قرب تنفيذ اليابان لخططها بتصريف أكثر من مليون طن من مياة الصرف الصحي الملوثة بالأشعة النووية داخل مياة المحيط الهادي.

 

وفي مقال له صباح اليوم بصحيفة الجارديان البريطانية، تحدث هنري، عن مفاوضات دامت ما يقرب من 20 شهرا، من أجل إقناع اليابان بالتراجع عن قرارها في 2021، بصرف تلك المياة داخل المحيط، إلا أنها تصر على تنفيذ القرار خلال أشهر قليلة في 2023، وذلك وفق المخطط الزمني الموضوع، وشدد على أهمية أن تعمل اليابان مع المحيط الهادئلإيجاد حل لتلك المشكلة الخاص بمياه مفاعل فوكوشيما - وإلا فإننا نواجه كارثة.

 

 

 

قصة المفاعل من البداية

 

 

في عام 2011 ، وقع حادث في محطة فوكوشيمادايتشي للطاقة النووية، وذلك بعد أن دمرها الزلزالوالتسونامي، وهو ما أدى إلى توقف المفاعل النوويعن العمل، وكان هناك ثلاثة مصادر رئيسية لمياهالصرف المشعة من محطة فوكوشيما للطاقة النووية، الأول المبرد الأصلي في المفاعل، والثاني هو الماءالذي يتم حقنه بشكل مستمر لتبريد اللب بعدالحادث، والثالث هو تسلل كمية كبيرة من المياهالجوفية ومياه الأمطار إلى المفاعل.

 

مع استمرار تدفق المياه الجوفية ومياه الأمطار إلىمبنى المحطة، استمر إنتاج المياه الملوثة بموادمشعة عالية التركيز، وخلال السنوات التالية للحادث، تم حفظ المياه المعالجة في العديد من صهاريجالتخزين، وهي تحتوي على مادة التريتيوم، وهيمادة مشعة لا يمكن التخلص منها بالكامل بواسطةالتكنولوجيا الحالية.

 

ووفقا لما أعلنت عنه شركة طوكيو للطاقة، فقد أصبح هناك ما مجموعه حوالي 1000 صهريج لتخزينالمياه، 90وهي ممتلئة حاليا، وتبلغ الطاقة الإجماليةلجميع مرافق تخزين المياه حوالي 1.37 مليون طن،وأصبح من الضرورة إزالة تلك الصهاريج تخزين، وفي 13 أبريل 2021، قررت الحكومة اليابانيةرسميًا تفريغ تلك المياه في البحر، وكان الأمرسيستغرق حوالي عامين لبدء أعمال بناء المعدات قبلأن يبدأ تصريف المياه خلال هذا العام 2023.

 

 

الجميع يطالب بالتأجيل

 

 

وبالعودة إلى مقال هنري بونا هو الأمين العام لمنتدىجزر المحيط الهادي، نجد أنه تحدث بلسان دول المنتدى، والتي اتخذت موقفا موحدا تطالب فيه اليابان بتأجيل أي إطلاق من هذا القبيل حتى نتأكدمن آثار هذا الاقتراح على البيئة وصحة الإنسان ،ولا سيما الاعتراف بأن غالبية شعوب المحيط الهادئهي شعوب ساحلية ، ولا يزال المحيط جزءًا لا يتجزأمن معيشتهم.

 

وذكر هنري أنه تم اتخاذ خطوات مهمة للعمل معاليابان لفهم موقفها والأساس المنطقي لقرارهاالانفرادي، وتم تشكيل لجنة مستقلة من خمسةخبراء علميين في المجالات الرئيسية مثل الطاقةالنووية والإشعاع ، وفيزياء الطاقة العالية ، والكيمياءالبحرية ، والكيمياء الحيوية ، وعلم الأحياء البحرية ،وعلم المحيطات لتوفير تقييم علمي مستقل لتأثيراتمثل هذا الإطلاق، ولكن المناقشات التي جرت العامالماضي لم تكن مشجعة.

 

وكشف أن اللجنة توصلت إلى ثغرات خطيرة فيالمعلومات ومخاوف كبيرة بشأن الإطلاق المقترحللمحيطات، وهو ما دعى إلى ضرورة وجود مزيد منالبيانات قبل السماح بأي إطلاق للمحيطات، مضيفا : "على الرغم من ذلك ، تواصل اليابان خطط التفريغفي ربيع عام 2023"

 

 

لا توجد سابقة للتخلص من المياه النووية بعدمعالجتها

 

 

وبالنظر إلى تاريخ الحوادث النووية، مثل حادثتشرنوبيل وحادثتي جزيرة ثري مايل النووية، نجد أنها قد انطلقت جميعها في الغلاف الجوي، ولم يكنهناك أي حادث نووي مماثل لحادث فوكوشيماالنووي الذي نتج عنه كمية كبيرة من مياه الصرفالصحي، لذلك فتلك الحالة هي سابقة بتصريفالمياه العادمة في المحيط، ولا يوجد حكم بشأن وكالةدولية خارجية لتفتيش ثم تصريف مياه الصرفالنووية بعد المعالجة ، ولا توجد إجراءات ومعاييرتفتيش ذات صلة.

 

وفي الواقع ، هناك طرق أخرى لتصريف مياهالصرف في المحيط الهادئ، فمنذ عام 2013، قامتالحكومة اليابانية بتقييم خمسة خيارات لمعالجة مياهالصرف الصحي بعد المعالجة بما في ذلك حقنالتكوين، والتصريف في المحيط، وإطلاق البخار،وإطلاق الهيدروجين، والدفن تحت الأرض، وتم فحص الجدوى والقيود المحتملة لكل خيار، بما فيذلك المدة التكلفة، والحجم، والنفايات الثانوية،وتعرض الموظفين للإشعاع .. إلخ، ولكن اللجنة التي شكلت لعلاج أزمة هذا المفاعل رجحت خيار البحر.

 

ووما يزيد تخوفات الرافضين لقرار اليابان، هو أنها قد تعتبر تصريف مياه الصرف النووي مهمة"مستمرة"، وقد يصل وقت التفريغ إلى 30 عامًا، فإذا اتخذت اليابان هذه السابقة، فسوف تتدفقأطنان لا حصر لها من مياه الصرف الصحيوالقمامة إلى البحر في المستقبل.

 

 

كارثة ستواجه الأجيال القادمة بعد 4 عقود

 

 

ولذلك كان حديث هنري في مقاله صباح اليوم، من خطورة التسرع في هذا القرار، خصوصا أن آثاره من التلوث النووي، قد نستغرق مدة أربعة عقود منأجل اكتشافها، منوها إلى ضروري أن يعملالجميع لفهم مشترك للآثار الكاملة لهذا النشاط، فإذا تُركت اليابان دون رادع، ستتجه المنطقة مرةأخرى نحو كارثة تلوث نووي كبرى، تتحملها الأجيالالحالية والمقبلة.

 

وشدد رئيس منتدى جزر المحيط الهادي، على ضرورة أن نفي بالالتزامات التي قطعناها علىأنفسنا من خلال معاهدة راروتونغا، فنحن ملزمونقانونًا بالحفاظ على المنطقة خالية من التلوث البيئيالناجم عن النفايات المشعة والنووية والمواد المشعةالأخرى، والتمسك بالالتزامات القانونية لمنع إغراقالمحيطات وأي إجراء لمساعدة أو تشجيع الإغراق منقبل الدول الأخرى.

 

 

ليست مسألة داخلية .. وهذا هو موقف داخل وخارج اليابان

 

 

وفي إشارة إلى احتمالية تحرك دولي، قال هنري، إنالقرار بشأن أي إطلاق في المحيط ليس ولا ينبغي أنيكون مجرد مسألة داخلية لليابان، بل هو قضيةعالمية وعابرة للحدود الوطنيةن وينبغي أن تثيرالحاجة إلى دراسة القضية في سياق الالتزاماتبموجب القانون الدولي.

 

"الواقع أن الطبيعة غير المسبوقة لهذه القضية تثيرقلقاً بالغاً، فالقرار سيشكل سابقة للإجراءاتوالاستجابات المستقبلية، وهذا مهم بشكل خاصبالنظر إلى أزمة المناخ وتزايد شدة وحجم الكوارثالطبيعية، وهو ما يشكل تحديات كبيرة لسلامةمحطات الطاقة النووية والبنية التحتية في جميعأنحاء العالم.

 

والقرار بالفعل تم إدانتهم داخل وخارج اليابان، فسكان فوكوشيما والصيادين اليابانيين والمجتمعالدولي يشعرون بالقلق من أضرار القرارويعارضونه بشدة، وهناك 41 جمعية بلدية من 59 في محافظة فوكوشيما لم توافق على خطة تصريفمياه الصرف الصحي النووية في البحر، ويرى الكثيرون أن تحرك اليابان ينتهك القانون الدولي.

 

 

التاريخ المظلم لليابان: تلوث بيئي وأوبئةمتفشية

 

 

وبإعادة قراءة التاريخ، نجد أن لليابان، تاريخ مشينمتعلق بالأمراض الأربعة الكبرى الناتجة عن التلوثبداخلها ويبدوا أن الدولة لم تعلم حقاً من تلكالمآسي، فقد كان مرض إتاي إتاي الأول من بين ”أمراض التلوث الأربعة الكبيرة “ التي أدى تفشيهاإلى انطلاق مرحلة النشاط البيئي في اليابان، أماالأمراض الأخرى فكانت مرض ميناماتا، ومرضنيغاتا ميناماتا، وربو يوكايتشي.

 

وجاء مرض إتاي إتاي من تسمم المرضى بالكادميومفي محافظة توياما، اليابان، حيث يسبب التسممبالكادميوم الناتج عن أحد المناجم بوهن العظاموالفشل الكلوي، وقد كانت آثار مخلفات المنجم علىالأسماك والنباتات ظاهرة منذ ثلاثينيات القرنالعشرين، فيما كان السبب للمرض الثاني هوالتسمم الحاد بالزئبق، الناتج عن معمل لإنتاجأسيتالدهيد تديره شركة شيسو، حيث كان يقومبإلقاء مياه الصرف الملوثة بميثيل الزئبق في المياهالقريبة، وهو ما تسبب في تراكم حيوي للزئبقالعضوي في الأسماك والمحار التي كان السكانالمحليون يتناولونها فيما بعد.

 

فيما كانت الكارثة التالية ناتجة عن تلوث الهواءالناتج عن مجمع يوكايتشي للبتروكيماويات، وبعدها ارتفعت بشكل حاد حالات الإصابة بالربو القصبيوالتهاب الشعب الهوائية المزمن وانتفاخ الرئة وغيرهامن أمراض الجهاز التنفسي الأخرى، وهنا نجد أن جميع الأمراض الأربعة المرتبطة بالتلوث في الياباننتاجاً للثورة الصناعية والنمو الاقتصادي السريعفي فترة ما بعد الحرب التي كانت من أهم سماتهاالتضحية بالصحة العامة في سبيل تحقيق الازدهارالاقتصادي.