وسط زحام وضجيج صفحات وجروبات موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ، الذي تنقسم عليه المنشورات بين ما هو مضحك وما هو مبكي ، وبين ما هو سياسي وما هو ترفيهي، وبين ما هو عميق وما هو تافه، وقعت عيناي على رسالة من طالب ثانوية عامة أصابتني بالصدمة والحزن والغضب.
كتب الطالب في رسالته قائلا: " أنا فى ثانوية عامة علمى رياضة وإحنا بدأنا دروس من اول شهر ٨ اللى فات ، وانا الوحيد ف السنتر اللى قفلت الامتحان الشامل الرياضة فى المجموعة ، روحت البيت فرحان أوري أهلي الدرجة فلاقيتهم بيقولولى بكل قرف " انت عايز بعد المصاريف والدروس اللى انت بتاخدها دي تنقص؟" ، اتصدمت بجد من ردهم ده ، عشان كده يبقى طز ف الثانوية العامة ، اقسم بالله انا جالى احباط من وقتها وكرهت المذاكرة و كرهت المواد و كرهت نفسي .. و المطلوب بعد التحفيز العظيم ده اني اقوم و اذاكر واكمل و انا مبسوط ولا كأن حصل حاجه عادى .... بجد بجد شابوه ليهم".
هذه الرسالة الموجعة الصادمة لا يجب أن تمر مرور الكرام من أمام أعيننا ، ولا يجب أن نتعامل معها على انها مجرد بوست ينتهي مطافه "بشوية شير وشوية لايك وكام تعليق" ، ولكنها - في رأيي- بمثابة صفعة قوية على وجه اهل هذا الطالب المسكين وأمثالهم من الذين لا يقدرون اهمية “التحفيز والكلمة الحلوة المشجعة” ، ولا يقدرون حجم الألم النفسي الذي قد تتركه الكلمات المحبطة في نفس الانسان ، والاكثر بشاعة هنا إن الكلمات المحبطة تلقاها الطالب من أقرب الاقربين
كيف وصلنا لهذا الحد من القسوة على بعضنا البعض ؟ .. كيف أصبحنا نلقي بكلمات كالحجارة في وجه الشقيانين الساعين لتحقيق أحلامهم وسط ضغوط الحياة اليومية التي تدهس الجميع بلا رحمة ؟
هذا الطالب بعد حصوله على الدرجة النهائية في المادة الصعبة التي عانى فيها ظناً منه انه سيُفرِح اهله ويرد لهم الجميل ، كل ما كان يحتاجه من أهله هو فقط كلمة تشجيع يشحن بها طاقته المستنزفة ليستكمل طريق الجد والاجتهاد والنجاح ويتحمل كل ضغوط المذاكرة والرعب من الامتحان وبعبع الثانوية العامة .. كلمة واحدة فقط "برافو" كانت من شأنها ان تحول هذا الطالب الشقيان الى احد اوائل الثانوية العامة 2023
فكرة "استخسار الكلمة الحلوة" في هذا الطالب ، وفكرة "كسر خاطره اللي كان متعشم بكلمة حلوة " ، وفكرة "الكلام بلغة الفلوس بدل المشاعر" اكاد ان اجزم انها قتلت هذا الطالب معنويا قتلا غير رحيم ، اكاد ان أجزم بكل تأكيد أن هذا الطالب المتفوق الذي كان من الممكن ان يصبح عالما او مهندسا او طبيبا او معلما ناجحا ، سيتحول في خلال اشهر قليلة - اذا لم ننقذه - الى طالب فاشل راسب محبط فاقدا للشغف بل وقد يصبح على حافة الانحراف اذا انضم لاصدقاء السوء الذين سيستغلون ضعفه وألمه النفسي.
رسالة الطالب هنا ليست درسا لأهله فقط بل درسا لكل إنسان يطلق من لسانه رصاصات كلامية يغتال بها من حوله دون ان يشعر ، هذا الطالب بسرده لقصته يقول لكم بين سطوره : افيقوا .. تحسسوا كلماتكم قبل ان تخرجوها من افواهكم .. كونوا رحماء بمن حولكم .. اهتموا بتشجيعهم وجبر خواطرهم .. فالكلمة الطيبة لو كانت ليست مهمة لما جعلها الله صدقة
بالنيابة عن أهل هذا الطالب وبالاصالة عن نفسي اقول لهذا الطالب : آسفة على كسر خاطرك .. لكن عزائي الوحيد ان جبر الخواطر على الله .. ربنا يعوضك ويرد لك شغفك ويثبتك على طريق النجاح ويفوق اهلك قبل فوات الآوان .