الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صفوت عمارة يكتب: تفضيل رمضان عن سائر الشهور

د. صفوت عمارة
د. صفوت عمارة

فضّل اللَّه عزَّ وَجلَّ بعض الأزمنة على بعض، كما فضّل بعض الأمكنة على بعض؛ ففضَّل شهر رمضان عن غيره من بقية شهور العام، ولقد خصَّه الله بخصائص، وفضله بِفضائل ليست لغيره، وجعل اللَّه لعباده فيه الكثير من النفحات، ولقد حثنا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، على اغتنام هذه النفحات التي تأتى في مواسم الطاعات حيث قال: «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن للَّه نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا اللَّه أن يستر عوراتكم، وأن يؤمِّن روعاتكم» [أخرجه الطبراني، وحسَّنه الألباني] أي: افعلوا الخير في عمركم، وتعرضوا لنفحات رحمة اللَّه في مواسم الخيرات وأزمنة البركات التي يصيب اللَّه بها من يشاء من عباده.

خصَّ اللَّه عزَّ وَجلَّ شهر رمضان عن غيره من بقية الشهور بكثير من الفضائل التي لا يعلمها الكثير من النّاس، بأن جعل صومه الركن الرابع من أركان الإسلام، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما، أن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «بني الإسلام على خمس ... وصوم رمضان، ...»، وأنزل فيه القرآن، وهو الشهر الوحيد الذي ذُكر باسمه صريحًا في القرآن الكريم، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، أي: شهر رمضان الذي أنزل اللَّه فيه القرآن في ليلة القدر جملةً واحدةً  إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر منه، ثم نزل بعد ذلك مُفرقًا بحسب الوقائع على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، وجعل فيه ليلة القدر، التي هي خيرٌ من ألف شهر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر 1-5]؛ فما نزل القرآن الكريم على شيءٍ إلَّا زاده تشريفًا وتعظيمًا، فنزل على الأمة المحمدية فصارت خير الأمم، ونزل على نبينا محمد فصار أفضل الأنبياء والمرسلين، ونزل فى شهر رمضان فصار أفضل الشهور، ونزل في ليلة القدر فصارت أفضل ليالي العام.

فضَّل اللَّه شهر رمضان واختصه بخصائص وميَّزه بمزايا انفرد بها عن سائر الشهور، وقد بيَّن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فضله، وفضل العمل الصالح فيه عن غيره، كما ورد في حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم]، والمراد: من صام رمضان تصديقًا بالأمر به، عالمًا بوجوبه، خائفًا من عقاب تركه، مؤمنًا باللَّه ومحتسبًا الأجر والثواب في صومه من اللَّه فإنَّ المرجو أن يغفر له ما تقدم من ذنوبه.

حظي شهر رمضان بهذه المكانة والمنزلة؛ لنزول القرآن الكريم فيه على نبينا محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، ولشهر رمضان عدة أسماء منها: «شهر القرآن»؛ فعلى المسلم أن يخص رمضان بالإكثار من تلاوة القرآن كما أن ربه خصه بإنزال القرآن فيه، وأن نقبل على القرآن حفظًا وتدبرًا، ثم عملًا وتطبيقًا . وأن يظل متوارثًا بيننا يأخذه جيل عن جيل تحقيقًا لقوله تعالى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَه لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، ومن أعظم النعم وأفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى اللَّه هي حفظه لكتاب اللَّه؛ فاللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصته، وأجمع القرآن في قلوبنا حفظًا وعلى ألسنتنا تلاوةً، وفي سلوكنا خُلقًا، وارزقنا منه العلم يا اللَّه.