الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صفوت عمارة يكتب: هدي النبي في العشر الأواخر من رمضان

صدى البلد

ميَّـز اللَّه عزّ وجلّ الثلث الأخير من رمضان، بميزات جعلته أفضل ما في شهر رمضان، لوجود ليلة القدر فيه، التي هي خيرٌ من ألف شهرٍ، وقد بيّن العلماء أنَّ ليالي العشر الأواخر من رمضان الواقعة بين ليلة 21 إلى آخره، هي أفضل الليالي، وأيام العشر من ذي الحجة أفضل الأيام؛ ففرق العلماء في الأفضلية وقالوا إن ليل رمضان أفضل من ليل ذي الحجة بسبب القرآن والقيام، ونهار ذي الحجة أفضل من نهار رمضان بسبب مناسك الحج، ومع أن اللَّه يضاعف الأجر والحسنات في شهر رمضان، إلا أنه يضاعفه أضعافًا كثيرةً في الثلث الأخير من رمضان لأنها أيام وليالٍ مباركة اختصها اللَّه بخصائص دون غيرها.

اتفق جمهور العلماء على أنّ ليلة القدر تقع في العشر الأواخر من شهر رمضان لكثرة الأحاديث التي وردت في التماسها في الثلث الأخير من رمضان، وأما تحديدها في العشر الأواخر فمختلف فيه تبعًا لاختلاف الروايات الصحيحة، والأرجح أنها في الليالي الوتر من العشر الأواخر، وأرجى ليلة لها هي ليلة السابع والعشرين، لما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي اللَّه عنهما، أنّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر» [رواه البخاري ومسلم]، وفي رواية: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر» [رواه البخاري]، أي: ابذلوا جهدكم وحرصكم في طلب ليلة القدر وهي في الوتر، أي: في الليالي الوترية وهي: الحادية والعشرون، والثالثة والعشرون، والخامسة والعشرون، والسابعة والعشرون، والتاسعة والعشرون من العشر الأواخر من رمضان.

فضل العشر الأواخر من رمضان:
تُعدُّ العشر الأواخر من رمضان من أفضل أيام السنة التي تمر على المسلمين، حيث تُقبل فيها الأعمال ويتضاعف فيها الأجر، ولله في كل ليلة عتقاء من النار، وقد ميزها اللَّه تعالى عن بقية أيام رمضان والسنة بليلة القدر التي اصطفاها من بين الليالي ليُنزّل فيها القرآن الكريم، وهي ليلة تُفصَّل فيها الأقدار، وتتنزّل من اللوح المحفوظ إلى صحف الكتبة من الملائكة، وهذه الأقدار تتضمن أقدار العباد من أمور الدنيا، كالرزق والأجل وغير ذلك وقد وُصفت بذلك في القرآن الكريم، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3-4]، وقد أنزل الله تعالى في شأنها سورة تتلى إلى يوم القيامة، وذكر فيها شرف هذه الليلة وعظَّم قدرها وهي سورة القدر، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر 1-5]؛ فالعبادة والعمل فيها أفضل من ألف شهرٍ فيما سواها؛ أي ما يقدر بثلاثٍ وثمانين سنة وأربعة أشهر.

هدي النبي في الثلث الأخير من رمضان:
كان النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لم يكن يفعلها في غيرها، ومن هذه الأعمال كثرة الاجتهاد في العبادة، والاستعداد لإحياء الليالي العشر زيادةً عن المعتاد؛ فقد وصفت السيدة عائشة رضي اللَّه عنها، حال النبي في العشر الأواخر قائلةً: «كان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم]، وكان يحيي الليل كله بأنواع العبادات، من صلاة وذكر وقراءة قرآن.

ايقاظ أهل البيت لإحياء الليل: 
كان من هدي النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، أنه يرغِّب أهله في قيام ليالي العشر حرصًا على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة؛ ففي الصحيحين عن عائشة رضي اللَّه عنها، أنها قالت: «كان النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» [رواه البخاري]، وزاد [مسلم]: «وجدّ وشدّ المئزر»، وفي هذا الحديث تبين لنا السيدة عائشة رضي اللَّه عنها، حال النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في هذه العشر من اجتهاده في العبادة زيادة على المعتاد، وحث أهله على أداء النوافل والعبادات، وتحصيل خير تلك الأيام، وأنّ يجعل كل الاهتمام في العشر الأواخر لعبادة اللَّه عزَّ وجلَّ، ولا يشغله شيء عنها من أمور الحياة، والمئزر هو الإزار المعروف من الثياب، وشده كناية عن الاستعداد للعبادة، وإشارة للجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان، وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء، وترك الجماع.

الاعتكاف في المسجد:
أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد، وأنه قربة من القرب، ونافلة من النوافل، عمل بها رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأصحابه وأزواجه؛ فكان من هديه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، اعتكاف العشر الأواخر من رمضان؛ فعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يعتكف العشر الأواخر من رمضان [رواه البخاري ومسلم]، وعن عائشة رضي اللَّه عنها، أن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللَّهُ، ثم اعتكف أزواجه من بعده [رواه البخاري ومسلم].

تحري ليلة القدر:
يُستحب للمسلم تحري ليلة القدر، وإحياء هذه اللَّيلة المباركة تصديقًا باللَّه وبفضل هذه اللَّيلة، وبما أعد فيها من الثواب ومُحتسبًا الأجر غفر اللَّه له ذنوبه السابقة، كما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم]، وينبغي الإكثار فيها من الدعاء بما أرشدنا به النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، بأفضل أنواع الدعاء في تلك اللّيلة، وهو: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنى»؛ فعن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها: «قلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، بم أدعو؟ قال: "قولى: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنى» [رواة ابن ماجة وصححه الألباني]، ومن علاماتها أنها ليلة صافية، لا حارة ولا باردة، وتطلع الشمس عقبها لا شعاع لها منتشرًا في الآفاق؛ «اللهم اجعلنا من أهل ليلة القدر، وأعنا على قيامها إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين».