الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حصاد 10 سنوات.. طفرة غير مسبوقة في دعم وتعزيز الصناعة المصرية

الرئيس عبدالفتاح
الرئيس عبدالفتاح السيسي

توطين الصناعة وتنمية القطاع الصناعي أحد الأهداف الحيوية التي تسعى إليها الدول لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقلالية في العديد من القطاعات الحيوية. وخلال 10 سنوات مرت منذ ثورة 30 يونيو التي كانت منعطفا مهما في تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والتنموي، كان توطين الصناعة أحد أولويات القيادة السياسية بوصفه مسعى أساسيًا في جذب الاستثمارات وتطوير البنية التحتية وتعزيز التكنولوجيا والابتكار.

جهود دعم وتعزيز الصناعة المصرية

وفي هذا الصدد، تبنت الدولة استراتيجية شاملة تتضمن تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية وتطوير الموارد البشرية، وتوفير الدعم المالي والفني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتم تنفيذ عدد من المناطق الصناعية الحديثة والمتكاملة والمشروعات الصناعية الكبرى، مما أسهم في تعزيز عدد من الصناعات مثل: الصناعات الحربية والصناعات التحويلية والتصنيع الغذائي، والمنسوجات، والمعادن والكيماويات. هذه الجهود أسهمت في الاستقرار النسبي للسوق خلال أعوام الأزمة (جائحة كورونا والازمة الروسية الأوكرانية.

 

 و في الآونة الأخيرة، واجه الاقتصاد العالمي عدة أزمات حادة متلاحقة ومركبة ومتداخلة، تكاد تكون الأسوأ منذ سنوات الكساد الكبير، وقبل التعافي الكامل من جائحة كورونا، بدأت تظهر متحررات جديدة تفرض ضغطا جديدا على اقتصادات العالم الذي لم يتعاف بعد من أثر كوفيد - 19، وفي هذه الأثناء، يواجه العالم أزمة جيوسياسية معقدة باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية- وما ترتب عنها من نقص بالطاقة بدول أوروبا، بخلاف ارتفاع أسعار الشحن واضطراب سلاسل التوريد؛ وبالتالي نقص في السلع وارتفاع معدلات التضخم لمستويات غير مسبوق؛ ليكون الحفاظ على استقرار الأسعار بالأسواق واحدا من أكبر الأزمات التي تواجه الشارع المصري الآن، ويتطلب حلها طرح مزيد من المنتجات مع عدم رفع الأسعار للحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين كي تستمر المصانع في الإنتاج. ويتطلب استمرار الصناعة في المقام الأول توفر مستلزمات الإنتاج التي تحتاج إلى سيولة أجنبية، وانتظام حركة التجارة الخارجية وسلاسل الإمداد بدول العالم المختلفة؛ فهي بمثابة معضلة يتخبط بسببها قطاع الصناعة، وإنقاذها يتطلب اضطلاع كافة الأطراف كلا بمسؤوليته التعزيز الصناعة المصرية. لذا نلقي نظرة أعمق على التحديات التي واجهت القطاع، وأبرز الجهود التي اتخذت حتى الآن لدعم وتوطين الصناعة.

 دعم وتعزيز الصناعة المصرية

وتأثرت جميع مؤشرات الاقتصاد المصري الكلي سلبا بتطورات الاقتصاد الإقليمي والعالمي- من الصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج وذلك إثر انخفاض سعر البترول وتوقف الإنتاج والتصدير مع عدد من الدول ذات العلاقات التجارية مع مصر. وكذلك تأثرت مؤشرات الاقتصاد بالتقلبات السياسية التي شهدتها الدولة إبان ثورة يناير 2011؛ فقد انخفض معدل النمو الاقتصادي من متوسط 5 % في الخمسة أعوام السابقة على 2011، إلى متوسط % 2 في الأربع سنوات التالية لها، وترافق مع ذلك ارتفاع معدلات التضخم نتيجة ضعف معدلات الإنتاج. بالإضافة إلى ارتفاع معدلات عجز الميزان التجاري نتيجة تأثر التنافسية السعرية للصادرات المصرية بالأسواق الخارجية، خاصة أن الصادرات المصرية كانت أهم مصدرا للعملات الأجنبية، ففي عام 2015/2014 تفوقت الصادرات المصرية على تحويلات العاملين بالخارج كأهم مصدرا للعملات الأجنبية. 

 

أما عن الوضع الراهن، فلم تكن مصر بمعزل عن مجريات الأمور بالعالم؛ فمثلت جائحة كورونا صدمة هائلة للاقتصاد المصري، وأدت إلى توقف مفاجئ للسياحة التي كانت تسهم في بداية الأزمة بنحو % 12 من إجمالي الناتج المحلي، وتوفر 10 من فرص العمل، و 4 % من إجمالي الناتج المحلي من الدخل بعملات أجنبية. وكذلك تعرضت موازنة الحكومة للضغوط بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي الذي أسفر عن انخفاض الإيرادات الضريبية.
إلا أنها في المجمل استطاعت الصمود أمام الجائحة، وكانت من الدول القلائل التي استطاعت تحقيق معدلات نمو إيجابية رغم الجائحة بفضل الإصلاحات التي نفذها منذ عام 2016 لتسوية الاختلالات الاقتصادية الكلية، وكذلك إطلاق البنك المركزي عدة مبادرات مثل: تأجيل سداد الاستحقاقات الائتمانية دون أي غرامات أو رسوم إضافية، وتخفيض أسعار الكهرباء، وتمديد التراخيص والسجلات الصناعية منتهية الصلاحية وتأجيل سداد الضرائب العقارية المستحق سدادها على المصانع والمنشآت السياحية لمدة 3 أشهر، وصرف 3 مليارات جنيه من مستحقات المساندة التصديرية المتأخرة للمصدرين؛ لتخفيف الضغوط على المقترضين وضمان توافر السيولة للقطاعات الأشد تأثرا، وغيرها من الإجراءات التي تم اتخاذها والتي خففت من وطأة الأثر الصحي والاجتماعي للجائحة مع ضمان الاستقرار الاقتصادي، واستمرارية القدرة على تحمل الدين والحفاظ على ثقة المستثمرين، والتي كان لها أثر إيجابي على أداء الشركات.
ورغم ذلك، كان للجائحة أثر سلبي على القطاع الصناعي المصري؛ إذ سجل مؤشر أداء القطاع الصناعي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) سبتمبر 2020 انخفاضا عند 0.413 (من 0.0 إلى 0.5 انخفاضا في الأداء؛ 0.5 لا تغيير؛ من 0.5 إلى 1.0 زيادة في الأداء) منذ اندلاع الجائحة.
فقد أدت جائحة كورونا إلى تباطؤ نشاط القطاع الصناعي في مصر؛ بسبب عمليات الإغلاق بمصر، والإجراءات الاحترازية، وتراجع الطلب المحلي والدولي، واختلال سلاسل التوريد العالمية المرتبطة ر، وأيضا بسلاسل القيمة التي تربط القطاع الصناعي بالسوقين العالمية والمحلية، وكان الأثر واضحا بشكل أكبر في الصناعات التي تعتمد على مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج وخاصة من الصين والتي تأتي في المرتبة الأولى بين الدول الموردة لمصر ووصلت نسبتها إلى 16.2 % من جملة الواردات بإجمالي قيمة 14.4 مليار دولار خلال عام 2021، وهو ما أثر على العرض والطلب في هذا القطاع، وبالتالي التأثير على مبيعات وإيرادات بعض المصانع مسببة مشاكل نقص سيولة.

وعلى الرغم من ذلك استطاع القطاع الصناعي الصمود أمام الجائحة فلم يتم إغلاق مصنع واحد أثناء الجائحة؛ لكون ملف الصناعة يحتل أولوية قصوى على أجندة عمل الحكومة، فالنهوض بقطاع الصناعة بسهم إلى حد كبير في إحداث نقلة اقتصادية حقيقية. إلى ان أتت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد حالة الضبابية والضغط التي يعيشها الاقتصاد العالمي والمصري كجزء لا يتجزأ منه.


وقد أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء في مايو 2022 أن التكلفة المباشرة وغير المباشرة للحرب هي 465 مليار جنيه؛ وذلك نظرا للصلات التجارية والسياحية القوية بدول الأزمة وأوروبا؛ إذ إن 42 % من إجمالي واردات مصر من الحبوب عام 2021 كانت من روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى كونهما مصدر 31 % من السياحة الوافدة لمصر بما يزيد عن 1.9 مليون سائح خلال الفترة من يوليو 2021 حتى يناير 2022. فأثر الأزمة «الروسية- الأوكرانية على الموازنة العامة للدولة، هو 130 مليار جنيه كتأثير مباشر، مرتبط بأسعار السلع الاستراتيجية، والبترول، وأسعار الفائدة، والسياحة.
ومن التحديات التي واجهت الدولة إثر الحرب الروسية الأوكرانية ضعف السيولة الأجنبية نتيجة خروج رؤوس الأموال الساخنة، وتباطؤ معدلات استثمارات القطاع الخاص المصري، وارتفاع فائدة الافتراض السيادي، ومؤشرات الدين الخارجي، وتراجع معدلات جذب استثمارات أجنبية مباشرة لمصر. وأكدت الأزمة المالية العالمية الحالية هي الأخرى مواطن الخلل بهيكلية الاقتصاد المصري، مع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الفائدة عالميا لتحجيم التضخم العالمي، والذي وصل إلى معدلات غير مسبوقة منذ أعوام بمختلف دول العالم وخروج كثير من الأموال الساخنة، فتجلت هشاشة قطاعي الصناعة والزراعة.


كانت الطريقة المقترحة للتعامل مع الأزمة هي زيادة الإنتاج لتعزيز التصدير وتخفيض حجم الواردات كوسيلة لتعزيز النقد الأجنبي بمصر؛ وذلك من خلال دعم وتوطين الصناعة المحلية، ففتح الاستيراد في الوقت الحالي سيسهم في زيادة التضخم. وبالتالي تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، ورفع نسبة مشاركته لتصبح 65 % من إجمالي الاستثمارات المنفذة خلال 3 سنوات، كذلك دعم توطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلي. فالوضع الآن يتطلب ضرورة طرح كل الإنتاج بالأسواق للحفاظ على استقرار الأسعار، مع عدم رفع الأسعار في الفترة الحالية للحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين كي تستمر المصانع في الإنتاج، وللحفاظ على مستويات الأسعار عند معدلات مقبولة.


وتمتلك مصر مقومات الصناعة الطبيعية والصناعية فتمتلك موقعا جغرافيا مميزا، ومناخا معتدلا يناسب أغلب الصناعات، هذا إلى جانب توافر المواد الخام ومصادر الطاقة اللازمة للصناعة، هذا بخلاف الأيدي العاملة الماهرة المتوفرة بمصر، وامتلاك شبكة مواصلات وطرق متطورة، إلا أن طريق تنمية الصناعة لم يكن لعقود بل ولا يزال غير ممهد بالقدر الكافي للتحول إلى دولة صناعة رائدة.