منذ أن بدأ المواطنون مقاطعة الأسماك في أكثر من مدينة، وأدت تلك المقاطعة إلى انخفاض غير مسبوق في السعر ، وأنا أريد الكتابة في هذا الموضوع .
صحيح التجار لديهم جشع كبير ، وبعضهم لولا الرقابة ، أو الخوف من مساءلة الدولة له، أو غلق محله، لبغى في الأرض فسادا قد يصل إلى تجويع الناس من أجل أن يشتروا بالثمن الذي يحدده هو، ضاربا بعرض الحائط المشاعر الإنسانية، غير عابئ بظروف الآخرين.
ولذلك يكون استعمال حق المقاطعة واجبا وضرورة حتى يتم إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، خاصة في السلع التي يجوز الاستغناء عنها لفترة دون حدوث ضرر للانسان .
ولكن عندما حدثت مقاطعة الأسماك نزلت الأسعار إلى الربع تقريبا من الثمن الذي كان يتم البيع به سابقا. وهذا ليس استعمال حق.
هذا ظلم للبائع الذي أخذ السلعة من تاجر الجملة بسعر معين ، أو لو كان صيادا ظل طوال يومه لكي يصطاد . وليس مبررا لذلك انه لا يدفع ثمنا لسلعته، أو يحصل عليها من الماء ولا تحتاج إلى عناية أو طعام او شراب أو سماد فهي لا تكلفه شيئا .
ولكن في المقابل هو إنسان لديه مسئوليات وعليه التزامات وتدبير احتياجات أسرته من مأكل وعلاج ومسكن ودروس وتعليم أولاده. فكيف له ان يعيش ويتدبر أموره إذا حوسب من منطلق انه لا يدفع مالا لبضاعته؟فالمقاطعة قد تكون واجبة في حال التعنت والتجبر من التاجر أو الباعة، وقد تكون مستحبة في حال ضيق ذات اليد، ولكنها تكون مكروهة في حال الضغط الذي لا يسمح للإنسان بأن يعيش أو تضطر المقاطع ضده للتسول أو للسرقة أو للحرمان .
فكل فعل في ذاته قد يكون حلالا أو حراما أو مكروها. وعلى البائع كذلك أن يبحث عن الرزق الحلال دون تجاوز فالأمر كله بيد الله .
فمن يدريه ربما يكسب مكاسب كبيرة بالظلم والضغط فيأتيه مرض يأخذ كل ما كسب وقد يضطره ذلك إلى أن يستدين، أو قد تحدث كارثة لتجارته فيخسر المكسب وأصل المال .
إن التعامل الوسطي والذي يتم فيه مراعاة الله من الجميع هو أفضل الطريق للبركة في الرزق، فالأرزاق ليست اموالا فحسب، فالبركة في الرزق أهم بكثير من الكثرة فيه . وإنني أدعو فعلا إلى مقاطعة كل سلعة غالية إلى القدر الذي يجعل التاجر يعتدل ولكن ليس إلى أن يجعله في عوز وحاجة. أما السلع التي لا يتم الاستغناء عنها فيجب على الدولة أن تضرب بيد من حديد كل مستغل فهي بيدها تحقيق العدل .