القطيع في الطابور
حالة صعبة تنتاب من يستخدمون فزاعة الإخوان وسيلة لتشديد القبضة الأمنية و محاولةإعادة إنتاج دولة الصوت الواحد والرأي الأوحد في صورة جديدة.
فما أن يجدوا موقفا معتدلا ينبه إلي أن محاولة وضع الكل في واحد هي أسهل وصفة للفشل والتخلف وتكريس البيئة الاجتماعية الثقافية التي لا يستطيع الإخوان وأمثالهم العمل في غيرها, حتي ينبري الواجد منهم وقد بدا في حالة تأهب قصوي صائحا: امسك طابور خامس أو اضبطه.. إنه لا يهاجم الإخوان!
وما هذه الحالة إلا تعبير بالطريقة المصرية عن ذهنية القطيع التي لم تنتشر في مجتمع إلا دمرته تدميرا. فالتعامل مع أي شعب, ناهيك عن نخبته السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية, بطريقة القطيع تفترض أن يصطف الجميع في طابور ليقولوا الكلام نفسه ويفعلوا الشيء عينه طول الوقت بلا اختلاف أو تباين ولا حتي ظلال أو تلاوين.
وما أن يخرج أحد أو آخر عن الطابور حتي تنهال عليه الاتهامات التي تدور عادة حول الخيانة. وهذه هي ثقافة القطيع التي لا تتغير في جوهرها باختلاف نوع هذا القطيع خرفانا كان أو ماعزا.
ولهذه الثقافة طقوسها التي تجعل الكلام أهم من العمل, والانصياع مقدما علي الإبداع, والغريزة فوق العقل. ولذلك فلا مجال فيها للتفكير في موقف من لا يقف في الطابور ويصطف ضمن القطيع, حتي اذا كان متفقا مع الاتجاه الذي يعبر عنه هذا القطيع ولكنه يختلف مع طريقته وأسلوبه ويرفض إلغاء عقله.
فقد يري من يقف خارج الطابور مثلا أن التفرغ لمهاجمة الإخوان والتعبئة ضدهم(7/24, أي24 ساعة يوميا وسبعة أيام في الأسبوع) لا يؤدي إلا إلي أن ينشغل المجتمع بهم عن قضاياه وينصرف عن مهماته الضرورية لبناء المستقبل, وأن العمل الجاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا أكثر جدوي. وقد تكون اللغة الزاعقة والخطاب الناري الذي يحض علي الكراهية وينشر طاقة سلبية في المجتمع هو سبب الاختلاف.
غير أن صانعي حالة القطيع لا يعنيهم إلا الاصطفاف في الطابور وتكرار الكلام الذي يقال كل يوم بلا وعي أو تفكير.
نقلا عن "الأهرام"