تهجير المسيحيين

قصة متكررة اعتدنا سماعها فى الآونة الاخيرة .. قصة يتشابه أبطالها وتتقارب احداثها بينما تختلف نهايتها وان كانت دوما ما تصب فى تأجيج روح الفتنة والتنابذ بين أبناء الوطن الواحد.
القصة شديدة الحساسية التى أعنيها تتمثل فى ارتباط فتاة مسيحية بشاب مسلم أو العكس بعلاقة حب يترتب عليها ثورة مجتمعية كالبركان تتخللها اتهامات بين الجانبين حتى يتدخل العقلاء فيطربونا بدروس فى التربية الوطنية تُوسع- فى رأيى الشخصى- من حجم المشكلة لانها تتناولها وكأنها اداة لتعليم المصريين فن التعايش السلمى فيما بينهم بغض النظرعن اعتناقهم الدينى وكأن تعايشهم سويا امرجديد بحاجة لتدريس ..
تدريس يتغاضى عن تاريخ ممتد حافل بانتصارات وهزائم صنعوها وتجاوزوها معا, ويتجاهل واقع يعكس علاقات انسانية شديدة الرقى بين قطبى الامة المصرية.
الجديد حقا بهذا الموضوع ما شهدته احداث قرية الشربات التابعة لمنطقة النهضة فى مدينة الاسكندرية بعدما قام شاب مسيحي بنشر صور تبرز وجود علاقة آثمة بينه وفتاة مسلمة ليتطور الامر ثأرا للشرف الى حرق ممتلكات المسيحيين هناك وتنتهى المسألة باصدار مشايخ القرية حكم عُرفى واجب النفاذ يقضى بتهجير 8 عائلات مسيحية يرتبط استقرارها ورزقها بالمنطقة, ذلك وسط مرآى ومسمع أجهزة الامن.
الحقيقة خبر التهجير صدمنى كثيرا ولم يتنس لعقلى استيعابه حتى اللحظة ليس لانه يُحمل أشخاصا لاذنب لهم مسؤولية خطيئة آخرين تخلوا ارضاء لرغباتهم عن الثوابت الدينية والمبادىء الاخلاقية, وانما لكشفه حجم البلطجة التى أصبحت جزءا لايتجزأ من حياة المصريين تحت مظلة أجهزة الامن.
والدليل تكوين دولة داخل الدولة لها حاكم يتبع تشريعات خاصة تتنافى مع العدل والمنطق بينما تقف الجهات الاصلية المعنية بتطبيق القانون مكتوفة الايدى لاتحرك ساكنا, فتبدو للاسف منعدمة الهيبة.
ولمن لا يعرف فان التركيبة السكانية لاطراف الاسكندرية ترجع جذورها لقبائل عربية استقرت بأراض معينة منذ سنوات بعيدة ومن المعروف ان المناطق العشائرية تخضع أثناء الفصل فى خلافات قاطنيها لاحكام عُرفية قائمة على العادات والتقاليد, لكنى لا اعتقد ان التمسك بالقيم الموروثة النبيلة يعنى القفز على سيادة الدولة ويمنح لبشر حق التحكم فى مصير بشر مثلهم كأنهم عبيد.
فهل يعقل ان يتم تشريد عائلات واجبارها على الهجرة من موطنها فى دولة يُفترض التزامها بالقانون واحترامها للانسان؟ هل طرد المسيحيين من القرية كفيل بالقضاء على الانحرافات السلوكية ووأد أشكال التطرف؟ هل يمكن تقبل اقدام الاخوة المسيحيين على تهجير مسلمين من منطقة سكنية معينة حال تعرضهم لاذى من مسلم اعمالا لمبدأ المعاملة بالمثل؟ هل الخطأ لا ينتج الا فى العلاقة بين مسلم ومسيحى؟
لو افترضنا ان العقول أصابها خلل وافتقدت الحكمة فهل تحجرت القلوب لهذه الدرجة وانتُزعت منها مشاعر فطرية كالنخوة ومراعاة الآخر؟
لو اراد مشايخ قرية النهضة توقيع عقوبة فعلية كان الاجدر بهم معاقبة الشاب والفتاة أبطال القصة المذكورة لان استهتارهم بتعاليم دينهم وبالاخلاقيات المتعارف عليها ادى لشرخ انسانى فى علاقات أهل القرية ببعضهم خاصة بعد قرار التهجير.
اخيرا .. رغم استيائى من اداء رجال الامن ازاء هذه الواقعة المريرة التى صنعتها قصة فردية الا اننى التمس لهم بعض العذر لانهم على ما يبدو لم يتعلموا دراسة سيكولوجية سكان بعض المناطق كالبدو والصعايدة ويكتفون عند فض اشتباكاتهم باطلاق الرصاص بينما لو عرفوا مدخلهم النفسى لتمكنوا من استيعابهم واقناعهم بما أرادوا لتحقيق العدالة دونما قطرة دماء واحدة.