تعرف على تاريخ «كسوة الكعبة» على مدار «6 عصور»

تعتبر كسوة الكعبة من أهم مظاهر الاهتمام والتشريف والتبجيل للبيت الحرام وإن تاريخ كسوة الكعبة جزء من تاريخ الكعبة نفسها، عندما رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد الكعبة المشرفة وعاد إبراهيم إلى فلسطين.
قبل الإسلام
ذكر أن «عدنان بن إد» الجد الأعلى للرسول هو أحد من كسوها، ولكن الغالب في الروايات أن (تبع الحميري) ملك اليمن هو أول من كساها كاملة في الجاهلية بعد أن زار مكة ودخلها دخول الطائعين، وهو أول من صنع للكعبة باباً ومفتاحاً، واستمر في كسوة الكعبة فكساها بالخصف، وهي ثياب غلاظ، وخلفاؤه كانوا يكسونها بعده بالجلد والقباطي.
وبعد تبع كساها الكثيرون في الجاهلية، وكانوا يعتبرون ذلك واجباً من الواجبات الدينية، وكانت الكسوة توضع على الكعبة بعضها فوق بعض، فإذا ما ثقلت أو بليت أزيلت عنها وقسمت أو دفنت، حتى آلت الأمور إلى «قصي بن كلاب» الجد الرابع للرسول والذي قام بتنظيمها، بعد أن جمع قبائل قومه تحت لواء واحد.
وعرض كلاب على القبائل أن يتعاونوا فيما بينهم كل حسب قدرته في كسوة الكعبة، وفي غيرها مثل السقاية. وكانت الكسوة ثمرة الرفادة، وهي المعاونة تشترك فيها القبائل، حتى ظهر أبو ربيعة عبدالله بن عمرو المخزومي، وكان تاجراً ذا مال كثير وثراءٍ واسعٍ، فأشار على قريش أن اكسوا الكعبة، أنا أكسوها سنة، وجميع قريش تكسوها سنة، فوافقت قريش على ذلك، وظل كذلك حتى مات. وأسمته قريش العدل، لأنه عدل بفعله قريشاً كلها.
وقد ذكر المؤرخون أن انفردن بكسوة الكعبة المشرفة امرأة تسمى «نُتيلة بنت جناب»، زوج عبد المطلب وأم العباس، فقد ضاع ابنها العباس، فنذرت لله أن تكسو الكعبة وحدها إذا عاد إليها ابنها الضائع، فعاد فكانت أول امرأة في التاريخ كست الكعبة، وحدها
عهد الرسول والخلفاء
لم يشارك رسول الله في إكساء الكعبة قبل الفتح، لأن المشركين لم يسمحوا له بذلك، إلى أن تم فتح مكة، فأبقى النبى على كسوة الكعبة، ولم يستبدلها حتى احترقت على يد امرأة تريد تبخيرها، فكساها الرسول بالثياب اليمانية، ثم كساها الخلفاء الراشدون من بعده، أبو بكر وعمر بالقباطي، وعثمان بن عفان بالقباطي والبرود اليمانية، وأمر عامله على اليمن «يعلى بن منبه» بصنعها فكان عثمان أول رجل في الإسلام، يضع على الكعبة كسوتين، أحدهما فوق الأخرى، أما سيدنا علي فلم يذكر المؤرخون أنه كسا الكعبة، نظراً لانشغاله بالفتن التي حدثت في عهده.
ولم يكن للكسوة ترتيب خاص من قبل الدولة وبيت مال المسلمين ، فقد كان الناس يكسونها بما تيسر لهم قطعًا مفرقة من الثياب ، وبدون تقيد بلون خاص، بل حسب ما تيسر لأحدهم ، ولو بجزء وناحية من البيت، وكان الناس في الجاهلية قبل ذلك يتحرون إكساءها يوم عاشوراء .
عهد الدولة الأموية
اهتم الخلفاء الأمويون في عصر الدولة الاموية بكسوة الكعبة وفي عهد معاوية بن أبي سفيان كسيت الكعبة كسوتين في العام كسوة في يوم عاشوراء والأخرى في آخر شهر رمضان أستعدادا لعيد الفطر وكانت ترسل كسوة الكعبة من دمشق وكانت تجهز بأحسن الاقمشة وأفضلها وترسل إلى مكة في منطقة على اطراف دمشق سميت الكسوة نسبة لذلك حيث اشتهر محمل الحج الشام الذي ينطلق من دمشق بجموع الحجيج المجتمعين من كافة البقاع ومن دول كثيرة في الشرق ووسط آسيا، كما أن معاوية هو أيضا أول من طيب الكعبة في موسم الحج وفي شهر رجب.
عهد الدولة العباسية
اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة اهتماماً بالغاً، لم يسبقهم إليه أحد، نظراً لتطور النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز، مما جعل الخلف يصل إلى ما لم يصل إليه السلف، لذا بحث العباسيون عن خير بلد تصنع أجود أنواع الحرير، فوجدوا غايتهم في (مدينة تنيس) المصرية، التي اشتهرت بالمنتجات الثمينة الرائعة، فصنعوا بها الكسوة الفاخرة من الحرير الأسود على أيدي أمهر النساجين، وكانت لها قريتان (تونة وشطا) اشتهرتا أيضاً بصنع التطريز.
أما هارون الرشيد فقد أمر بصنع الكسوة من طراز تونة سنة 190هـ وكانت الكعبة تكسى مرتين، أما الخليفة المأمون 206هـ، فقد كسا الكعبة المشرفة ثلاث مرات في السنة كالاتي: الأولى: من الديباج الأحمر، وتكسى الكعبة بها يوم التروية، والثانية: من القباطي، وتكسى غرة رجب، والثالثة: من الديباج الأبيض وهذه التي استحدثها المأمون يوم السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك.
ولما رفع الأمر للخليفة العباسي جعفر المتوكل، بأن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل حلول شهر رجب من مس الناس وتمسحهم بالكعبة، أمر بإزارين آخرين يضافان إلى الإزار الأول، ثم جعل في كل شهرين إزاراً، ثم كساها الناصر العباسي ثوباً أخضر ثم ثوباً أسود. ومن ذلك التاريخ احتفظ باللون الأسود للكسوة إلى يومنا هذا.
كما ظهرت الكتابة على كسوة الكعبة المشرفة منذ بداية العصر العباسي فكان الخلفاء من الأمراء يكتبون أسماءهم على الكسوة ويقرنون بها اسم الجهة التي صنعت بها وتاريخ صنعها، كما هي العادة الجارية إلى اليوم.
مصر وكسوة الكعبة
مع بداية الدولة الفاطمية أهتم الحكام الفاطميين بإرسال كسوة الكعبة كل عام من مصر، وكانت الكسوة بيضاء اللون.
وفى الدولة المملوكية وفي عهد السلطان الظاهر بيبرس أصبحت الكسوة ترسل من مصر، حيث كان المماليك يرون أن هذا شرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد حتى ولو وصل الأمر إلى القتال، فقد أراد ملك اليمن "المجاهد" في عام 751هـ أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ليكسوها كسوة من اليمن، فلما علم بذلك أمير مكة أخبر المصريين فقبضوا عليه، وأرسل مصفدا في الأغلال إلى القاهرة.
كما كانت هناك أيضا محاولات لنيل شرف كسوة الكعبة من قبل الفرس والعراق ولكن سلاطين المماليك لم يسمحوا لأى أحد أن ينازعهم في هذا ، وللمحافظة على هذا الشرف أوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبد الملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر في عام 751هـ وقفا خاصا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة، وهذا الوقف كان عبارة عن قريتين من قرى القليوبية هما بيسوس وأبو الغيث، وكان يتحصل من هذا الوقف على 8900 درهم سنويا، وظل هذا هو النظام القائم إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني.
وقد تأسست دار لصناعة كسوة الكعبة بحي "الخرنفش" في القاهرة عام 1233هـ، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها، واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962م، إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.
العصر العثماني
بعد أن دخل السلطان سليم الأول القاهرة اهتم أثناء إقامته في مصر بإعداد كسوة الكعبة المشرفة وكسوة لضريح رسول الله، وكسوة لمقام سيدنا إبراهيم ومنذ تلك الآونة ظلت كسوة الكعبة المشرفة ترسل سنوياً من مصر من ريع الوقف الذي وقفه الملك الصالح إسماعيل، وذلك من أعظم مزايا السلاطين العثمانيين.
استمرت مصر في إرسال الكسوة إلى مكة المكرمة حتى عام 1221هـ، إلا أنه في العام الثاني، كان المد السعودي على مكة المكرمة في عهد الإمام سعود الكبير، فتقابل مع أمير المحمل المصري وأنكر عليه البدع، التي تصحب المحمل من طبل وزمر وخلافه، وحذره من معاودة المجيء إلى الحج بهذه الصورة، فتوقفت مصر عن إرسال الكسوة الخارجية، فكساها الأمير سعود الكبير كسوةً من القز الأحمر، ثم كساها بعد ذلك بالديباج والقيلان الأسود، من غير كتابة. وجعل إزارها وكسوة بابها (البرقع) من الحرير الأحمر المطرز بالذهب والفضة.
العصر الحديث
ظلت كسوة الكعبة المشرفة ترسل السعودية من مصر عبر القرون، باستثناء فترات زمنية قصيرة ولأسباب سياسية، إلى أن توقف إرسالها نهائياً من مصر سنة 1381هـ. حيث اختصت المملكة العربية السعودية بصناعة كسوة الكعبةالمشرفة إلى يومنا هذا.