محمد جراح.. يترك الشعر مؤقتا و يؤسس "شبه دولة " فى دار وعد

محمد جراح كاتب مصري بدأ الكتابة الأدبية مبكرا، وكانت البداية مع الشعر، واستمر جراح متفاعلا مع الحياة الأدبية يجوب أرجاء الجمهورية لحضور الأمسيات والتفاعلات الابداعية حتى كانت أمسية شعرية في قصر ثقافة بنها وكان يشرف على نادي الأدب به الروائي فؤاد قنديل، وهو الذي لفت نظر محمد جراح إلى القصة عندما قال له إنني أشعر بروح القصة تتدفق في نصوصك الشعرية.
كانت مقولة فؤاد قنديل بمثابة نقطة فاصلة في مشوار محمد جراح، فقد تلقى كلمة فؤاد قنديل بهدوء وظن أن فؤاد قنديل يقلل من قيمة نصوصه الشعرية بطريقة ما، ولكن أخضع الجراح رأي فؤاد قنديل للمنطق فتقبله وشعر بالفعل أن القصة هي أقرب له، فكتب القصة ودفع بما يكتب لنقاد وأدباء متحققين ليقرأوا ما يكتب ويقدموا له النصيحة، فلما جاءه تشجيعهم استمر ولما لاقى الاستحسان تجاسر فراسل الصحف والمجلات ولما نشرت أعماله في الصحف والمجلات الكبرى شعر الجراح بالثقة وبانه بالفعل قد بدأ في حفر اسمه في خريطة الإبداع القصصي والروائي في أوائل الثمانينيات، ولكن ظلت كتاباته قليلة وما ينشر أقل وشغله عمله الإعلامي عن الاهتمام بالكتابة والنشر فترة من عمره حتى استعاد نفسه من جديد في مطلع التسعينيات فنشرت له الجمهورية والأخيار والأهرام وغيرها من الصحف المستقلة، ثم الأهرام المسائي وأخبار الأدب والرياض وعكاظ والجزيرة واليوم والمدينة
ومؤخرا، صدرت له رواية "شبه دولة"، يرصد فيها ما وصفه بعملية إفساد الإعلام التي بدأت مع مطلع السبعينيات لتصبح ممنهجة، وترصد تسلط أناس من غير ذوي الخبرة والكفاءة والموهبة على شأن الإعلام في شتى صوره
والرواية،الصادرة عن دار وعد للنشر ، ترصد أيضا تلك الفترة التي تم فيها تهميش وإبعاد أصحاب الفكر والرأي لحساب من هم على استعداد لإراقة ماء وجوههم من أجل المنصب.
و قد جعل المؤلف الراوي الرئيسي في الرواية يعمل مذيعا وقارئا للأخبار وكان دائما على الحياد ،ؤ يرى الظلم ولا يتكلم ، بل ويرتبط بعلاقات شائنة مع بعض الفاسدات ممن أشار هو إليهن ، ورغم ذلك يظن أن كفاءته ستكون مؤهله للترقي والتقدير فتذهب أحلامه سدى وهو ممزق بين عمله وبين ما يدور حوله وبين الفساد الذي يشارك فيه بشكل ما ، فلا يستيقظ من أحلامه وهو يرى تلاميذه قد صاروا رؤسائه ، وعندما يؤلمه أن احد العمال قد صار من الرؤساء عندما تنشر الصحف صورته يجد نفسه متلبسا بالسلام عليه ، ولما يقرر فعل شيء يجد أن أكثر من ثلاثة عقود قد مرت عليه وهو لم يغادر مكانه ، فيدخل على الوزير شاكيا لكن لسانه يعجز عن الكلام، فيستدير عائداً تلاحقه عاصفة من الضحك والسخرية من الوزير، فيهبط من ماسبيرو يسير مع النيل لا يدري كم من الزمن قد مر عليه حتى يجد نفسه وسط أعداد لا حصر لها يمتلئ بها ميدان التحرير، يلتحم بهم ويعود معهم إلى ماسبيرو لتحريره.
عن روايته "شبه دولة" يقول جراح
- هي العمل الإبداعي الثامن وتأتي بعد ثلاث مجموعات قصصية وأربع روايات.. تأتي رواية شبه دولة لتضيف لبنة جديدة في مشروع محمد جراح المهموم بقضايا الوطن والناس، فالرواية وإن كانت ترصد عملية إفساد الإعلام المصري التي بدأت مع مطلع حكم السادات لتصبح عملية ممنهجة مع اعتلاء مبارك للحكم وتسلط أناس من غير ذوي الخبرة والكفاءة والموهبة على شأن الإعلام في شتى صوره خصوصاً المسموعة والمرئية وارتقائهم لمناصب الإدارة العليا في غفلة من الزمن، وكانت أدواتهم للصعود مغايرة ومناسبة لطبيعة مرحلة لم يتوقع لها أحد أن تطول لتقترب من النصف قرن، كانت معاييرهم إلى المناصب تشمل الرشى في شتى صورها، والمحسوبية، وكانت المفارقة أن كثيرا من السعاة والسكرتارية تقدموا هم أيضاً الصفوف وصاروا من القيادات بل طلوا من الشاشة، وقرأوا النشرات وقدموا البرامج لما استطاعوا تسوية حالاتهم الوظيفية بمساعدة الغربان التي كانت تهوى النعيق في أرجاء مبنى ماسبيرو الشهير. ترصد الرواية تلك الفترة التي تم فيها تهميش وإبعاد أصحاب الفكر والرأي لحساب من هم على استعداد لإراقة ماء وجوههم من أجل المنصب والفوز برضى الكبار، فانتشروا بمفاسدهم يؤمرون فينفذون، وصار صوت العقلاء غير مسموع على الإطلاق.