حقيقة عمر الدنيا «ساعة» فى الدين

يُذكرّ الله تعالى الناس بقيام الساعة وحشرهم من أجداثهم إلى الحساب فى يوم القيامة وسيشعر الناس وقتها أن عمرهم التى قضوه فى الحياة الدنيا ماهو إلا ساعة قصيرة بالنسبة إلى الدار الآخرة، وذلك مصدقا لقوله عزوجل: «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ»، سورة يونس : آية 45.
وقال الإمام محمد متولي الشعراوي، فى تفسيره للآية الكريمة، إن المراد من قوله تعالى: « وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ»، أى أن هذه الدنيا التي يتلهف عليها الإنسان ويأخذ حظه فيها وقد ينسى الآخرة فإذا ما قامت القيامة فأنت تشعر كأنك لم تمكث في الدنيا إلا ساعة، والساعة هي الساعة الجامعة التي تقوم فيها القيامة، ولكن الساعة في الدنيا هي جزء من الوقت فهم يُفاجأون أن دنياهم الطويلة والعريضة كلها مرت وكأنها مجرد ساعة فيكتشفون قصر ما عاشوا من وقت فى الحياة الدنيا.
وأوضح الشعراوي أن معنى قوله تعالى: «يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ»، أى ويوم الحشر ينقسم الناس قسمين : قسم من كانوا يتعارفون على البر، وقسم من كانوا يتعارفون على الإثم، فالذين تعارفوا في الحياة الدنيا على البر يفرحون ببعضهم البعض، وأما الذين تعارفوا في الحياة الدنيا على الإثم فهم يتنافرون بالعداء.
وبين أن المراد من قوله: « قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ»، أي أن الله سبحانه لم يكن في بالهم وهو حين تقوم الساعة يجدون الله سبحانه وتعالى أمامهم، فحين تسمع كلمة ( خسر ) فاعرف أن الأمر يتعلق بتجارة ما، والخسارة تعنى أن يفقد الإنسان المتاجر إما جزءاً من رأس المال أو رأس المال كله، فلا بد أن نعتبر أن دخولنا في صفقة الإيمان تجارة نأخذ منها أكثر من رأسمالنا ونربح، أما إن تركنا بعضاً من الدين فنحن نخسر بمقدار ما تركنا بل وأضعاف ما تركنا.
والإنسان في أية صفقة قد يعوض ما خسر فيما بعد وإن استمرت الخسارة فإن أثرها لا يتجاوز الدنيا ويمكن أن يربح بعدها، وإذا لم يربح فسيضيع عليه تعبه فقط ولأن الدنيا محدودة الزمن فخسارتها محتملة، أما الخسارة في الزمن الدائم فهي خساة كبيرة لأن الآخرة ليس فيها أغيار كالدنيا وأنت في الآخرة إما في جنة ذات نعيم مقيم، وإما إلى نار وهذه هي الخسارة الحقيقة.
وأشار إمام الدعاة إلى أن الله ختم الآية بوصف الذين كَذّبوا بلقائه تعالى: «وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ»، لبيان أنهم لم يكونوا سائرين على المنهج الذي وضعه لهم خالقهم سبحانه هذا المنهج الذي يمثل قانون الصيانة لصنعة الله تعالى، فقد خلق الله سبحانه الإنسان لمهمة وهو عزوجل يصون الإنسان بالمنهج الإيمانى من أجل أن يؤدي هذه المهمة.