نعيم أهل الجنة

إن جمال النص القرآني لم يكن مقصودا من أجله الجمال لذاته فقط بل إن جمال التعبير وبراعة التصوير، التي يستشعرها العربي المؤثر للثقافة الشفهية خير شاهد ودليل على إلوهية النص المبارك، وقد استشعرت بجمال التصوير القرآني حينما وصف لنا الحق سبحانه وتعالى النعيم المنتظر لأهل الجنة قال تعالى: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) ( الواقعة).
وجدت في الآيات المباركات السالفة صور متتابعة تجسد لي نعيم أهل الجنة وترغب في الأعمال التي تيسر السبيل له، فهذه الصور الأول النابعة من الآية المباركة التي تشخص لدي صورة أهل الجنة وهم منعمون في راحتهم الأبدية وقد زللت لهم ألوان الراحة والرفاهية فهم خالدون لا يذوقون الموت مرة أخرى يطوف عليهم الولدان المأمورون بالرعاية والخدمة يقدمون لهم ألوان الشراب المختلفة ، التي لم تذكرها الآيات المباركات صراحة لتدفع ذهن المستمع وعقله إلى التنبؤ بالنعيم المنتظر كل حسب ثقافته المتراكمة، بيد أن النظم القرآني الفريد دائما ما يأتي بدلالات كاشفة ففي قوله تعالى : ( لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)).
أي: لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة.
وقال مجاهد، وعِكْرِمَة، وسعيد بن جُبَيْر، وعطية، وقتادة، والسُّدِّيّ: { لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } يقول: ليس لهم فيها صداع رأس.
وقالوا في قوله: { وَلا يُنزفُونَ } أي: لا تذهب بعقولهم.
وهذه من الصور التي مازالت تراودني عن براعة النظم القرآني الحامل لقدرة الله – سبحانه و تعالى – فهذه الخمر التي حرمها الله – سبحانه و تعالى – على عباده جائزة ينالها المؤمن الطائع لأوامر الحق – جل علاه – يفوز بما حرمه الله في دنياه و لك بعد أن جردها الحق سبحانه و تعالى من عيوبها و أضرارها الملازمة لها في الحياة الدنيا، لتكون نعمة بلا منغص ينعم بها الفائز بالنعيم.
هذه المشاهد القرآنية التي خيلت لي أنظنها آلية من آليات النص المبارك تحرك في النفس البشرية حب الطاعة للفوز بنعيم الجنة.
ولست أدري أم لست أخال أدري أهذه الصور نابعة من رؤي ذاتية انطباعية أم هي وليدة التشخيص و التجسيم الذي رسمه لنا النظم القرآني الفريد و التي تكون خير عون لبيان الإعجاز القرآني استنادا على الثقافة الشفهية التي هي عماد لغتنا العربية ، إنه بحق كتاب عربي مبين.