الحكومة وتحديات المرحلة

مع قيام ثورة الثلاثين من يونيو كان كل أبناء بلادى مصر ، وجميع الذين كفروا بديمقراطية الاخوان المسلحين ، تحدوهم آمال كبار أن تكون هناك حالة جديدة تستعيد بها الدولة كيانها ، وتعود الى سابق عهدها وتاريخها كدولة محورية فى المنطقة ، قوية ، أبية ، مستقرة ، دولة مؤسسات قادرة على الارتقاء بمستوى معيشه أبنائها ، وضمان أمن مواطنيها ، والانتقال بهم من مرحلة الذل الى الكبرياء ، من المهانة الى الكرامة ، من ذل السؤال الى رغد العيش ، من النظر الى مصالح الجماعة والأهل والعشيرة الى صالح الوطن وعامة الناس.
ولكن وعلى مايبدو أن كثيرا من أبناء بلادى مصر - وأنا منهم – قد أسرفوا التفاؤل الذى وصل بهم الى درجة اليقين من انصلاح الأحوال ، وتصحيح الأخطاء ، والسير نحو الديمقراطية الحقيقية ، التى تقوم على اساس اقامة العدالة بين الناس ومساواتهم فى الحقوق والواجبات أمام القانون.
فما أن أزالت قوة الارادة الشعبية التى خرجت بالملايين فى كل ميادين مصر حكم الاخوان المسلحين ، رافضة سياسة الخضوع والخنوع والتفكير فى مصالح التنظيم على حساب الوطن ، إلا وظهرت الساحة من جديد فى مشهد يعيد نفس السيناريو الذى سارت عليه الجماعة ، دون أى تغيير سوى فى الشخوص ، والمسميات والمظهر، والوجهة والتوجه وظهر على المسرح السياسى هواة جدد ، يصولون ويجولون حول مستقبل مصر دون أدنى معرفة بالسياسة أو علم الإدارة.
صحيح ان الحياة فى مفهومها الدينى ، هى دار ممر الى دار مستقر ، الا أن الرسول الكريم صلوات الله وسلامة عليه أوصانا بأن نعمل لحياتنا كأننا نعيش أبدا ، ولذا كان لابد من التخطيط لحياة كريمة تتناسب مع آدمية وحقوق الشعب ، غير أن أداء الحكومة والساسة يؤكد – فى رأيى - أن البلاد تفتقد الى الإدارة الرشيدة وأنه لأمل فى ديمقراطية حقيقية فى ظل إدارة الحكومة الحالية.
فمنذ ان تولت الحكومة السلطة التنفيذية ، لم تنجز شيئا يتلمسه المواطن ، وأصيبت كل وزاراتها بالخمول والكسل ، وان شئت قل الجبن ، على مواجهة الأزمات ، ولم يظهر لها أى أداء باستثناء وزارتى الداخلية والدفاع ، اللتان تتحملان المسئولية الكبيرة فى حفظ واستقرار أمن البلاد ، وتقومان أيضا بأداء بعض وظائف الوزارات الأخرى ، فضلا عن كون الحكومة عاجزة عن مواجهة التحديات التى تواجه المرحلة الحالية ، فلا هى أعلت من هيبة الدولة فى تطبيق القانون فى مواجهة الأزمات الراهنة والتى تتكرر بصورة شبه يومية ، ولا هى حققت للمواطن ابسط حقوقه فى عيش كريم ، من خلال سياسة اقتصادية واضحة ، ولا هى نزلت الى الناس لتتعرف على مشاكلهم ، ولا حتى استمعت اليهم.
فمازال المواطن لايعرف للمسئول طريقا ، ومازالت مشاكله قائمة بل تزداد تعقيدا يوما بعد يوم ، ومازالت الحكومة تصم آذانها عن كثير من المشاكل وفى مقدمتها البطالة التى طالت حتى الصحفيين ، دون أن تتحرك أى جهة لدراستها أو معرفة اسبابها والوقوف على حلها.
ومازال المواطن يحدث نفسه متى يشعر بأنه يعيش فى دولته ، ومتى يرى اعلاما محايدا ليس بوقا للسلطة ، ومتى يعيد الثقة فى تصريحات الحكومة.
وكثير من المشاكل المطروحة على الساحة تؤكد اننا مازلنا نفتقد الادارة الجيدة القادرة على اصلاح الدولة ، وتحقيق مصالح البلاد والعباد ، وفى اعتقادى أن الادارة الحالية تخلق نوعا جديدا من التطرف فى الدولة ، لتنتقل البلاد من التطرف الدينى ، الى تطرف الافكار القوادة الى الخلاعة ، وهى امور لاتستقيم مع توجهات الناس وكفيلة –على الاقل عندى – بأن يكفر الناس بالديمقراطية التى تعد لها النخبة او الادارة الحالية.
الحكومة فى غفلة من الزمان والمكان ، وقبل أن أكفر بما تقول عنه الحكومة ديمقراطية جديدة ، عليها أن تتحرك قبل فوات الأوان ، لان اداءها الحالى ينذر بعواقب وخيمة ، ولا يتناسب على الاطلاق مع تحديات المرحلة ، التى تتطلب وبشكل مباشر تخفيف الأعباء عن المواطن البسيط ، الذى لايفهم فلسفة الحكومة ونواياها ولكنه يفهم مايراه على تطبيق على الأرض وهو ماغاب عن الحكومة وأظن – وليس كل الظن اثما – أنه يغيب عنها دائما.