الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأمثال آلية إقناعية


يلجأ الخطيب للأمثال لتوضيح أمر معيَّن، وتقريبه من نفس المتلقي، أو تأييد حُجَّته ويساعد المتلقي على تخيُّل المعنى أو تقمُّصه، ويستعمل المثل لجذب الانتباه، أو توضيح المقصود، أو توكيد الموضوع وإبراز أهميته، أو شحذ الذهن للتذكُّر والتفكير. قال تعالى: [إبراهيم: 25].
 
ولهذا تُعَدُّ الأمثال من قبيل الأدلة والبراهين في تحقيق مصداق ما يدعو إليه الخطيب، وتأييد صحة افتراضاته وحقائقه، بطريقة قريبة من نفوس المستمعين، واستمالتهم والتأثير عليهم وإقناعهم.

والمثل في الخطابة مقام الاستقراء في المنطق ، فالمثل استقراء بلاغي، والمثل "حجة تقوم على المشابهة بين حالتين في مقدمتهما، ويراد استنتاج نهاية إحداهما بالنظر إلى نهاية مماثلتها.

ومن قبيل ضرب الأمثال: أن تشبه أمرًا دقيقًا خفيًا بأمر حسي مما يعهده الناس في حياتهم اليومية، فإنَّ ذلك يقرِّب الفكرة إلى الذهن، بتحويلها من معنى ذهني مجرَّد إلى صورة حسية مشاهدة ؛ ونجد في القرآن الكريم خير مثال لهذا النوع من ضرب المثل. 

من ذلك أنَّ الله تعالى قرَّب إلى الأذهان فكرة: (أنَّ أعمال الكافرين التي ظاهرها الخير لا تنفعهم بشيء عند الله تعالى، وعرضها في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى في سورة [إبراهيم: 18]، وقوله تعالى في سورة [النور: 39]. 

ونجد في الآيتين الكريمتين تصويرًا لخيبة آمال الكافرين؛ لأنَّهم لم يجدوا شيئًا مما كانوا يحسبونه نافعًا لهم؛ فأعمالهم النافعة في الدنيا ذهبت بددًا، لا ينتفعون بشيء منها، وهذا يعني أنَّهم لن يجدوا مقابل أعمالهم النافعة في الدنيا جزاء يوم القيامة، حينما يكونون في أشد الحاجة إلى هذا الجزاء، ويتضح ذلك من صورة الرماد الذي تعصف به الريح، وتذهب في جهات هبوبها، فلا يبقى منه شيء، وصورة السراب الذي يخيُّل في الصحراء أنَّه ماء، فيتعلَّق به الظامئ الملهوف، وينخدع به، وكلما جدَّ في الوصول إليه اشتد ظمؤه، وتحرُّقه، حتى إذا جاءه لم يجد شيئًا.

وهكذا واجه القرآن الكريم العرب في استدلاله على صحة دعوته، بمفردات مألوفة لديهم، وخاطبهم بما يقع في محيط تجربتهم الذاتية أو الاجتماعية؛ لأنَّ الإنسان أكثر استئناسًا لما يعرفه جيّدًا في بيئته، وتنفعل نفسه لما يقع تحت حسّه وبصره. 

وقد انتبه الدارسون والبلاغيون العرب إلى أهمية المثل في إحداث الإقناع .

وأما الأمثال فإن الحكماء والعلماء والأدباء لم يزالوا يضربون ويبينون للناس تصرف الأحوال بالنظائر والأشكال ، ويرون هذا النوع من القول أنجح مطلبا ، لقوله تعالى : (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ (58) ، وكذلك جعلت القدماء أكثر آدابها وما دونته بالأمثال والقصص .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط