قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الرقي


تتداخل مفاهيم كثيرة هذه الأيام وينتج عنها بلورة لمعانى جديدة، منها الصالح ومنها الطالح، ولكن ينقصنا مفهوم مهم جدا ومتواجد فى حياة الشعوب المتقدمة، ولكن يختلف معناه عند معظم الناس إلا من رحم ربى.

وهو الرقى: هذا المفهوم الشامل لعدة معانى قَيمه وجوهرية، فالرقى هو الرحمة هو الخُلق الحسن هو الكرامة هو الكرم هو الاحتواء هو الرأفة والمودة هو الصدق مع نفسك ومع غيرك، هو أن تكون من أفضل لأفضل وتطور ذاتك وتقيمها ولا تتكبر على الاعتراف بالخطأ أو تتكبر عند الاعتذار، هو أن ترسم حدود لعلاقاتك مع الآخرين.

الرقى أصبح عالما خياليا نتمناه فلا نجده، فمعظم العلاقات تبدأ برقى وبشعارات، وبعضها بالرسم والتكتيك، وفجأة يحدث ما لا يحمد عقباه فيتحولون من كانوا كالملاك البريء، ونرى منهم وجه لا نعرفه، وجه به انتقام تارة وتارة أخرى به تطاول لفظى أو معنوى أو تطاول حركى ...

أين الرقى فى العلاقات؟ هناك من يربط بين الرقى وبين المادة !! هذا مفهوم مغاير تماما للحقيقة فالرقى هو سلوك إنسانى لا علاقة له بالقصور والسيارات الفارهة والمال وإلا ما كان بعض الفنانين ينالون من بعضهم فى المقابلات التليفزيونية وهم من هم.

فالرقى ليس بملابسك فكم من ملابس باهظة الثمن ومن ماركات عالمية وأصحابها يتمتعون بالغدر والكبر وسلاطة اللسان والتعالى واللامبالاة والكذب وهذا كله مناف لمعانى الرقى.

وكم من فقير يتمتع بالرقى الأخلاقى فيحسنون إلى جيرانهم ويتعاملون مع عدوهم بالحسنى فتجد أخلاق تمشى بين الناس هذا هو الرقى.

والرقى لا علاقة له بالضعف، فالرقى هو علم إنتقاء المفردات، وهو الصدق بوعى، والإدراك لمعادن الناس، فالرقى هو ثقافة الأخلاق وهكذا علمنا رسولنا الكريم، عندما غاب عنه جاره اليهودى الذى تأذى منه كثيرا سأل عنه رسول الله وزاره فاستغرب اليهودى من خلق الرسول، فهذا هو الرقى فى أبهى صوره.

وذكر فى الإنجيل "من لطمك علي خدك الأيمن حول له الآخر أيضا" "بلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لَا تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي ٱلْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ ٱلشَّاكِرِينَ وَٱلْأَشْرَارِ. فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ" فهذا رقى .. فالأديان حددت السلوكيات ،كما أن الأديان ترتقى بالنفس، فالأخلاق لا تتجزأ قبل العلاقات أو بعدها، وابحثوا فى علاقاتكم كم منها انتهت برقى.

وليس من الرقى أن ألقى بالتهم على الآخر، بل فكر فى كل الجوانب وضع نفسك مكان الآخر والتمس له العذر
فهكذا ديننا، إلتمس لأخيك ألف عذر.

إذا لو تمعنا فى جميع الأديان لوجدناها تنادى بالأخلاق والتعاملات الإنسانية ومن هنا جاء الإتيكيت.
الذى نعتبره رفاهية مطلقة وتدقيق زيادة عن اللزوم وهذه معلومة خاطئة.
فالإتيكيت هو فن السلوك الإجتماعى أى تهذيب سلوكنا وتنميق لكل سلوك غير صحيح.

فالشعوب التى تبهركم عندما تسافرون أو عندما تشاهدون فيديوهات لها هم يتعاملون بهذا الإتيكيت الذى هو فى الأصل السلوك الاجتماعى المهذب الفرق بيننا وبينهم هو الفرق الذى قال عنه الشيخ محمد عبده فى رحلته لباريس
عندما سُئل ما الذى رأه فى بلاد الغرب قال:رأيت إسلاما بلا مسلمين، أى رأى أخلاق الإسلام متجسدة فى الغرب، أما نحن فمسلمين بلا إسلام.

نعم ...
الإسلام ليس بالمظهر فقط فالأصل الجوهر والجوهر محله النيه والنية ترسخ فى القلب.

وهناك نماذج كثيرة وعلى سبيل المثال أب يصلى وعلامة الصلاة بوجهه يعظ الناس وعندما نرى حياته الطبيعية تجده عند الإختلاف نموذج سيء بالغضب والسباب.

أب ينصح أبناءه بعدم شرب السجائر وهو إمامهم نموذج سيء لا يحتذى به.

موظف يشتكى من غلاء الدولة وعدم تنفيذ القوانين ويخرج ليكمل شغله وقبل الساعة الواحدة يقفل درجه ويوقف أحوال الناس وعندما يسئل يقول "على قد فلوسهم".

سيدة محترمة تركب التاكسى وعندما تجد العداد زيادة جنيه "انت لاعب فى العداد هما عشرة جنيه وإن كان عاجبك".
شباب فى الشارع يمسكون بكلابهم الذين شرسوها من أجل المراهنات، يطلقون الكلب على الكلب ينهش فيه ويمزقه والبقاء للأقوى والمال للفائز.

تجد على الفيس بوك من يكتب عبارة ولخطأ بالكيبورد كتبت العبارة خاطئة فتجد من يدخل ويحرجه أمام الجميع "الكلمة دى بتتكتب كدا"، إلا إذا كان متهكما على الناس ويتصيد أخطاء لهم فهنا التعديل له كنوع من الرد عليه كما تفعل يفعل بك.

تمشى فى الإشارة تجد رجل بصحته طول وعرض يلبس ملابس عمال نظافة الذى يشتريها من الموسكى، ويمثل علامات البؤس، ويتسول من بين السيارات، ويستحل مال سيدة تعمل وتعول وهو يتسول منها فتعطيه ؟!

فكل هذه ثقافات سلوكية ومجتمعية باطلة تهدم أعتى الأوطان لأنها من آفات المجتمع.

المقصود من ذكر هذه النماذج هو الإشارة إلى عادات خاطئة نستحلها ونعتبرها شيئا عاديا ولكنها فى حقيقة الأمر ليست عادية، بل هى فجاجة زائدة بالمجتمع، لو صارحنا أنفسنا بالحقيقة وتعاهدنا أن نتغير.

إبدأ بنفسك وتسامح معها ولا ترمى الآخرين بالتهم، ولا تتهكم عليهم، ربما وقف حالك من دعاء أحدهم عليك، وأنت لا تدرى، فإذا أردنا أن نغير المجتمع، فالمجتمع هو أنا وأنت ونحن جميعا.

الرقى له معانى كثيرة فهو التقدم وهو الإبداع وهو الثقافة وهو الحكمة، أما معظمنا فيتركون الرقى ويستبدلونها بالغباء والإبتذال والتهكم والعند واللغط بالكلام.

إرتقوا واجعلوا تربية أبنائكم هو تجسيد لمعنى الرقى، وإطمسوا جملة "إللى يضربك إضربه" منتهى عدم الإدراك من أب وأم يزرعون فى أبنائهم هذه الجملة.

استبدل هذا السلوك غير الحضارى، وعلمه لعبة دفاع عن النفس منذ الصغر تعطيه ثقة بنفسه، يكون قادرا جسمانيا ولكنه يستخدم عقله لأنه راق إنسانيا.

قال الكاتب والفيلسوف الألمانى يوهان هردر عن الرقى والاحترام: قبل أن تكون مثقفا كن محترما فالإحترام نصف الثقافة.

وقال الحكيم الصينى كونفوشيوس عن الجهل: أعظم بلاء العقول، إجتماع الجهل والكبر فيها، فتحب العلو فلا تجد فيها ما يرفعها، إلا إظهار الجهل فى صورة العلم، وهذا بالفعل ما يحدث فينا من جهل وفساد انتشر وساد معظم مجتمعاتنا.

تدبروا المقال فربما وجدتم فيه ما يجعلكم، تدقون ناقوس الخطر، لتصحيح كثير من مفاهيم حياتكم، ارتقوا لتستقيم الحياة لكم.