بين محفوظ وسيد قطب

قد لايعلم الكثيرون أن المفكر الإسلامى الراحل سيد قطب صاحب معالم الطريق وأحد أقطاب جماعة الإخوان المسلمين بدأ حياته ناقدا أدبيا وكان من أنجب تلاميذ العقاد وقبل هذا كله هو أول من قدم نجيب محفوظ عميد الرواية العربية للقراء .
فى عام 1944 صدرت رواية محفوظ كفاح طيبة ويومها كتب سيد قطب مقالا قال فيه إن الرواية ملحمة وإن لم تكن شعرا ولا أسطورة ولو كان لى من الأمر شيئا لجعلت هذه القصة فى يد كل فتى وفتاة ووزعتها على كل بيت بالمجان وأقمت لصاحبها الذى لا أعرفه حفلة من حفلات التكريم وبعد أقل من عام وفى عام 1945 كتب قطب مقالا فى مجلة الرسالة عن رواية نجيب محفوظ القاهرة الجديدة أشاد فيه ببناء الرواية واعتبرها فتحا جديدا فى الرواية العربية .
فى هذا الوقت الذى تبنى فيه سيد قطب إبداع نجيب محفوظ لم يكن أحد يعلم أن هذا الكاتب المغمور سوف يصبح رائد الرواية العربية ويتوج رحلته التاريخية بجائزة نوبل فى الآداب .
هذه القصة تؤكد طبيعة المناخ الفكرى والثقافى والحضارى الذى كانت تعيشه مصر فى أربعينيات القرن الماضى ربما تغيرت أفكار وثوابت سيد قطب بعد ذلك وربما تعرض لمعاناة إنسانية رهيبة بين الإعتقالات والسجون .
وانتهت المأساة بإعدامه مع رفيق مشواره عبد القادر عودة رحمه الله عليهما فى واحدة من أكبر مراحل الصراع بين ثورة يوليو وجماعة الإخوان المسلمين إلا أن ذلك لم يمنع هذا التلاحم العبقرى بين أجيال مصر حين جمعت محفوظ وسيد قطب فى بوتقة واحدة أساسها الحوار .
تذكرت هذه القصة فى الأسبوع الماضى وانا أسمع احد المتشددين من التيارات الإسلامية يقول إن أدب محفوظ أدب إنحلال ودعارة ..ولا أظن إن هذا المتشدد قرأ شيئا من أدب محفوظ ،وهو لن يختلف كثيرا عن الشاب الذي طعنه بالسكين منذ سنوات ، واعترف أمام جهات التحقيق بأنه لم يقرأسطرا واحدا من روايات نجيب محفوظ ..