الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وقالى بأحبك


لم أكن أدرك أن كلمة أحبك لها هذا الوقع اللذيذ إلا عندما سمعتها منه.. ومع أنه نطقها بصعوبة بالغة وحاول جاهدا أن يخرج كل حروفها بنفس صعوبة النطق إلا أنها أثلجت صدرى وجعلتنى أطير وارتفع إلى عنان السماء .. وفور أن سمعتها وجدتنى ارتمى فى حضنه واقبل كل ما تصل إليه شفتاى العاشقتان له.. ولا أنسى أبدا سعادته بردة فعلى وأنامله وهى تعبث فى شعرى وتربت على كتفى، وأتذكر أيضا قلبه ونبضه العالى الذى أوقد نبضات قلبى.

لن انسى هذا اليوم الذى لم أكن أتوقعه ولم أخطط له ولم اتخيل للحظة إنه سيقول إنه يحبنى.. وأيضا تسعفنى الذاكرة الآن لتذكرنى بأننى لم أكن متوقعة أن ينطق هذه الجملة ويقولها متلعثما وحرجا.. أيضا أذكر نفسى بأن وقع هذه الجملة غير حياتى كلها وأخذنى أخذا من عالمى إلى عالمه الذى يبدأ وينتهى عنده وفى أحضانه وبين نبضات قلبه.. سمعت كلمة احبك كثيرا لا أنكر ولكن منه كان لها وقع نزول المطر على أرض قاحلة كادت تتصحر من فقر المطر ، بل إن احبك منه كانت فيض من حنان وبوتفة مشاعر وجديلة من شعر ملكة جمال الكون أهدتها لأحد رعاياها وهو قليل الشأن.

اعترف بأننى طلبت منه مرارا وتكرارا ان يقولها مرة بل مرات اخرى، وصرت أحكى عنه وأحدث الشجر والحجر والبشر عن اعترافه بحبى.

لم تكن مجرد جملة قالها بل كانت إعادة تشكيل لثنايا عمرى ، لم تعد بعدها الحياة كلها تعنينى وليس لها عندى شأن فهو يقولها لى وتنطق شفاه بأغلى ما يقال لمن هى مثلى.. كل الحروف تنجمد وكل المعانى تفرغ من محتواها وتظل جملة بأحبك هى أيقونتى ومدخراتى وعمرى.. كل مفرداته معى احتوتها كلمة بأحبك وكل عمرى انطلق بانطلاق هذه الكلمة التى قيلت فى توقيت لم اكن اتوقعه ولم احسب وقعه على قلبى الذى اهتزت غرفاته كلها فرحا وطربا عندما قال باحبك.

مرت على هذه الكلمة سنوات وكلما سمعتها من غيره اتذكره واتخيله واحتضن بقاياه فى قلبى وخيالى ومخيلتى وعمرى واهمس فى اذن الحياة وأقول لها هل تتذكرى هذا اليوم عندما اعترف لى بحبه وهو لم يزل صغيرا لم يبلغ العامين او تخطاهم بشهر ؟ اقول لكل مكان من جسدى لمسه ابنى لاتنسى وقع انامله وتذكر دوما ان حبه لايضاهيه حبا ،امجد كان صغيرا وبريئا عندما كان أول ما قاله بعد مناداتى بماما أنا أحبك.

 اتحدى العالم كله ان يوجد مثله ابنا فهو كان فريدا فى كل شىء طيلة الستة عشرة عاما التى عاشهم معى قبل ان يحزم أمتعة الدنيا ويرحل ،حينما اعترف لى بحبه كان يريدنى ألا انسى أبدا أنه صاحب السبق بين أخيه وأخته فى ذلك الشأن.

 وعندما كنت أطلب منه عندما كبر أن يرددها كان يقولها سلوكا وعملا، كان نبراس حياتى وجليسى وسامرى وأملى كان ينصحنى رغم صغر سنه بالصبر دوما ولا أدرى أكان يعلم م اسيحل بى بعد موته من ألم ومن قهر من أقرب الناس الي واليه ؟

كان يداوم على جملة واحدة فى كل المواقف وهى أن الحياة دار فانية وكلها غرور، أما الآخرة فهى الدوام والمستقر والخلود، وكنت أداعبه واقول له بركاتك فيربت على كتفى ويرتمى فى حضنى كعصفور يختبئ من المطر بين ثنايا أمه ويقول يااه يا أمى باحبك ونفسى متبعديش عنى لحظة.

كنت أرد عليه بضحك ودلال وأقول مرتبطة فيصمت ويقول لى وكأنى يا أمى كنت اتمنى فى الحياة أن أجد مثلك فأحزن أنا من لهجة الحزن واقول له ستجد الأفضل والاحسن فيصمت وينهى حواره بأن يعود إلى حضنى.

فى خضم الحياة ومع التغيرات التى طرأت على حياتى وبيتى جاءنى فى حلم وقال لى صبرا يا أمى فللزوجة الصابرة الجنة وبكيت أمامه وارتميت فى حضنه فأشار  إلى مكان مترامى الأطراف ، وقال لى هذا يا أمى بيتنا الأبدى انتظرك فيه فلا تحزنى من أفعال البشر وفوضى أمرك لله فعنده العطاء الأزلى.. صحوت من نومى ابحث عنه وأنادى عليه ولكن بلا إجابة ولا رد ولا جدوى ولا نفع.. فعدت أتذكر كلمة باحبك وفيها بكيت وأخرجت كل مختزنات عمري.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط