الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وفي أنفسكم أفلا تبصرون (8)


1- نعمة الألم: مع أن الكل يكره الألم إلا أنه نعمة ومن أهم طرق حفظ الله للإنسان.. فيه تنبيه وإنذار بوجود مشكلة يجب البت فيها وإلا.. بعض الألم بسيط وعابر وبعضه قاس ومزمن. من أنواعه الشائعة آلام الجروح والأسنان والصداع وحصوات الكلى والمرارة وآلام الولادة، وهو الدافع الأول للذهاب إلى الطبيب. 

أراد الخالق سبحانه وتعالى أن يكون الجسم متعاونا وصريحا مع المخ، يخبره بكل صغيرة وكبيرة تحدث في أي مكان فيه، ومن هنا كان مسار الألم في أجسامنا عملية متقنة وفي غاية الإبداع. 

يوجد أكثر من 200 مركز في المخ مفتوحة على مدار الساعة لتلقي الشكاوى من أعضاء الجسم والنظر فيها من خلال مراسلين منتشرين في كل أجزائه يعرفون بالأعصاب، وهم عبارة عن 31 زوجا من الأعصاب الفقرية و12 زوجا من الأعصاب الدماغية، كل منها عبارة عن "كابل" به آلاف الخيوط العصبية. هؤلاء "المراسلون" منهم الصاعد حامل البلاغات (أحاسيس)، ومنهم النازل حامل الردود (حركات وإفراز). 

وماذا يحدث لو فشلت الأعصاب في توصيل رسالة الألم إلى المخ من إحدى المناطق؟ ستقع كارثة مؤكدة، لأن المنطقة التي تفقد الإحساس بالألم لن تبلغ المخ بما يحدث لها من صدمات وجروح، فتتقيح وتتآكل ويكون مصيرها البتر، كما في القدم السكري والجذام، اللذان تموت فيهما الأعصاب الطرفية.

وأحيانا يكون الآلم مفيدا في حد ذاته. فمثلا ألم العضلات بعد بذل جهد يعني أنها بعد الراحة ستكون أقوى وأكثر استعدادا للعمل التالي، بينما ألم المفاصل لا يفيد المفصل نفسه لكنه تنبيه بوجود مشكلة.

يمكن للشخص العادي أن يعرف مصادر الألم السطحية الواضحة كالجلد والأسنان، لكن الأمور تتعقد لو كان الألم عميقا، فيحتاج إلى طبيب وتحاليل، فقد يكون الألم متنقلا أو يظهر في مكان غير مكان المشكلة الأصلي مما يزيد الأمور تعقيدا، وأحيانا يصعب معرفة أسبابه، فقد أحصى العلماء حتى الآن أكثر من عشرة أماكن في الجسم يحدث فيها ألم بدون أسباب واضحة ما زالوا يتحرون عنها.

يحدث الألم من مؤثرات خارجية ضارة قد تكون كيماوية كالفلفل الحار، أو حرارية كالحروق، أو ميكانيكية كالجروح بأنواعها، ولأسباب أخرى داخلية تقدر بالمئات لا مجال لشرحها هنا.. 

وتدخل الحالة النفسية على خط الألم، فأحيانا يتضاعف الإحساس بالألم بسبب التوتر والخوف، بينما الضحك والحب يخففان الألم بفعل الهرمونات المصاحبة لهما، والعكس صحيح، الفشل في الحب والعمل يسببان القلق والحزن، وبالتالي ارتفاع ضغط الدم والصداع والأرق وآلام المعدة. 

تتوفر مسكنات كثيرة للألم بأسعار زهيدة ولا تحتاج إلى وصفة طبيب، لكن تسكين الألم وحده ليس هو الحل، بل لا بد من معرفة وعلاج سببه الحقيقي.

2- تأثير المراجيح على الجسم والمخ: من لاحظ الأم وهي تحمل طفلها الباكي وتأرجحه حتى يهدأ، وتساءل لماذا يهدأ الطفل بهذه الطريقة؟ انشغل العلماء أيضا بهذا السؤال وبحثوا فيه ووجدوا أن للمرجحة أثر مذهل في جلب الشعور بالراحة والسعادة، وقالوا أن تلك المشاعر بدأت عندما كان الجنين معلقا بالحبل السري داخل الرحم ويسبح حرا في السائل الأمنيوسي، ولهذا تريح وتسعد الرضيع بعد الولادة. 

وحتى قبل فهم التفسير العلمي لما يحدث، صمم العمال البسطاء أسرة الأطفال كمراجيح، وانتشرت بدورها في الحدائق المنزلية وبين أشجار الغابات وعلى البلاجات وحتى على شكل بالونات عائمة على موج البحر.

ركز العلماء في أبحاثهم على حالة المخ والتوازن والعضلات أثناء المرجحة عند الصغار والكبار، ووجدوا أن الطفل يكتسب الكثير من خلالها، كتقوية النظام الدهليزي في الأذن الداخلية والتوازن، وتنشيط الدورة الدموية والمخ والمخيخ، وتنسيق الأحاسيس مع بعضها وتقوية تواصلها مع الجاذبية، كما يفرز معها هرمون الإندورفين، وهو الذي يسعد الكبار أيضا ويرفع استعدادهم وكفاءتهم، بل ومن الكبار من تسعده المرجحة أكثر من الأطفال.. لذا رأى العلماء ضرورة تعميمها وألا يكون استعمالها مقصورا على أيام الأعياد وارتياد مدن الملاهي، بل واعتمدوها مؤخرا كجزء من علاج أطفال التوحد وذوي الإعاقة.

لكن توجد محاذير يجب مراعاتها في المراجيح مثل معايير السلامة وملاءمتها لسن الطفل، وتحاشي السرعات الزائدة والمنعطفات الخطيرة فيها، فكلما كانت أهدأ كانت أفضل، كما أن بها خطورة على مرضى القلب ومن لديهم خوف أو "فوبيا المراجيح"، وحذر العلماء بشدة من خطورة مرجحة الأطفال يدويا من أذرعهم لسهولة خلع مفاصلها.

وسبب سعادة الكبار بالمرجحة ليس لمجرد تذكيرهم بأيام الطفولة الجميلة، بل لتمتعهم بنفس التأثير المنعش التي يشعر به الأطفال، لذا أوصى العلماء أن تكون المرجحة جزءا من البرنامج اليومي للجميع صغارا وكبارا قبل القيام بالواجبات المنزلية والذهاب إلى العمل. 

ولم أجد اهتماما في منطقتنا بهذا النوع من الأبحاث، لكن لاحظت اهتمام بعض وسائل الإعلام بتفسير ركوب المراجيح في المنام!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط