لماذا فشلت واشنطن في إقناع القاهرة بالانضمام للناتو العربي

انسحاب مصر من تشكيل أمريكا لحلف ناتو عربي مع الحلفاء العرب التقليديين علي غرار حلف شمال الأطلنطي له قراءات عديدة ودلالات قوية تؤكد أن الدولة المصرية الجديدة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي تملك حرية اتخاذ القرارات، وتمتلك توجهات إيجابية تصب في صالح المنطقة العربية كلها .
لقد وضع هذا الانسحاب واشنطن والصقور الأمريكية وترامب في موقف لايحسدون عليه لأنهم كانوا يعتقدون أن القاهرة ستكون أول المرحبين بالانضمام إلي هذا الناتو المشبوه التي لاتعرف " بضم التاء" خباياه أو أهدافه الحقيقية .
فما هو خلفيات الموقف المصري الواضح وكيف ينعكس علي جهود تشكيل الإدارة الأمريكية لهذا الحلف .. وهل ستنجح الصقور الأمريكية في تشكيل ناتو قوي بدون مصر ..وما هو شكل العلاقات الأمريكية مع القاهرة بعد خروج الأخيرة من بيت الطاعة وأصبحت تمتلك شخصية سياسية عتيدة و مستقلة رغم الضغوط العصيبة والكبيرة التي تتعرض لها من الجنوب في السودان ومشاكله وليبيا والإرهاب بعدما أصبحت الأراضي الليبية عبارة عن مرتع وأرض خصبة لزراعة وصناعة الإرهاب وتصديره لمصر والعالم كله في الغرب .ومحاولات مستميتة وخبيثة في الشمال الشرقي لتمرير ما يسمي إعلاميا بالوطن البديل أو صفقة القرن .
- عندما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته المشهورة أن قرارنا الوطني ظل وسيظل رغم كل الظروف قرارا مستقلا كانت كلمات نابعة من منطق القوة المبنية علي الاعتماد الواضح علي شعبيته في الشارع المصري، كما أن امتناع القاهرة يرجع إلي التشكيك في جدية هذه المبادرة أو هذا الفخ السياسي كما يطلق عليه .
بجانب عدم وجود خطة واضحة المعالم تحدد شكل وآليات هذا الحلف وله بنود وإحداثيات وأهداف محددة يمكن تطبيقها علي أرض الواقع وهو الأمر الذي يجعلنا نطرح عدة تساؤلات منطقية حول :-
الغموض المحيط بمستقبل الرئيس الأمريكي دولاند ترامب وهل سيظل هذا التحالف قائما بعد زواله من حكم الولايات المتحدة الأمريكية أم لا ؟، .. وماهو شكل التحالف إذا كانت نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة ليست في صالح الرئيس الأمريكي الحالي وأفرزت رئيس ينتمي للحزب الديمقراطي المناهض لحزب ترامب " الجمهوري" فهل يتم الاستمرار في ذلك النهج .. أم تعود أمريكا مرة أخري كي تدخل بقواتها العسكرية مرة أخري كما حدث في حقبة الديمقراطيين عندما كان الرئيس الأسبق جورج بوش يتولي رئاسة بلادة واستكمل المسيرة الرئيس السابق أوباما، ولا ننسي مشاركة بل كلينتون في الحرب علي العراق .. فهل ستكون هذه الإستراتيجية قائمة وطويلة الأجل حتي 2030 وهو الموعد المحدد أن تتجه فيه إلي شرق أسيا وبحر الصين الجنوبي وتواجه ما وصفته الإستراتيجية بأعداء أمريكا وهم " الصين – روسيا " .
- هل تترك الولايات المتحدة الأمريكية منطقة الشرق الأوسط وتريد أن يكون هناك تحالف عسكري يؤمن المصالح الأمريكية بالمنطقة .
- لكن دعنا نتساءل في هدوء بعيدا عن العواطف التي لن تبني موقف ونحكم العقل في إدارة الأمور من خلال مناقشات عقلانية واضحة ونعيد طرح السؤال مرة ثانية وثالثة ورابعة ..لماذا فشلت واشنطن والصقور الأمريكية في إقناع القاهرة بالانضمام إلي حلف جديدة بالمنطقة العربية رغم أنها كانت تعول عليها الكثير في إنجاح هذا الحلف بالانضمام إلي ناتو عربي .
الإجابة هنا من وجهة نظري ومن خلال قراءات سابقة وحالية تتلخص في عدة نقاط غاية في الأهمية ..
- أن مثل هذه المبادرات أو التحالفات يجب أن تكون واضحة وضوح الشمس، كما أن هذه المباردة يكتنفها الكثير من المصاعب والغموض .
- أن مبادرة إنشاء ناتو عربي من دول الخليج بالإضافة الي الأردن ومصر تحت إدارة وتوجهات أمريكية يؤكد أن أمريكا تسعي لتوريط المنطقة في المزيد من الفوضى الغير مبررة وبالتالي فإن رفض الدبلوماسية المصرية كان رفضا منطقيا .
- لماذا تصر الولايات المتحدة الأمريكية علي وجود قطر رغم أن هناك خلافات بين دول المقاطعة الأربعة معها .. استمر مايقرب من عامين حتي الىن ..فكيف تكون قطر أحد المؤسسين لهذا التحالف المشبوه وهناك شروط في التحالف طالبت بها الدول الأربعة ولم تنفذها ومازالت تتدخل في شئون دول المنطقة كما يحدث في ليبيا وسوريا ودعمها الـ غير محدود للكيانات الإرهابية الموجودة في دول المنطقة وتنشر في منبرها "الجزيرة " ما تريد وتدعم إرهاب هنا وإرهاب هناك وتمارس كل أعمال الشذوذ السياسي وطالب العرب النظام الإرهابي القطري التوقف عن ممارسته الإرهابية .. وبالتالي كيف يكون شكل هذا التحالف وهو يضم قطر وهي أكبر عقبة في إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة ولها علاقات متشعبة مع إيران التي تحمي قصر الأمير القطري .
- كيف لمصر التي تمتلك أكبر جيش في الوطن العربي وثاني أكبر الجيوش بمنطقة الشرق الأوسط وعاشر جيش علي مستوي العالم من القوة والعتاد والعدد وتشارك في حلف لم تظهر نواياه الحقيقية .. بجانب أن العقيدة العسكرية للجيش المصري هي عقيدة دفاعية عن الأرض وعن المبادئ ولم يتدخل الجيش المصري يوما باحتلال دولة أو الهجوم علي أخري، إنما يهرع دائما لمساعدة دول الجوار كما حدث في تحرير الكويت التي بدأت في 17 يناير 1991م من خلال التحالف الدولي مشاركته بدور فاعل في التحالف العربي لمواجهة إرهاب الحوثيين في اليمن .
- عندما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي عبارته الشهيرة " مسافة السكة " ومسافة السكة تعني بالعامية المصرية أننا جاهزون فورا للدفاع عن أشقائنا العرب في حالة تعرضهم لاعتداءات عسكرية من الخارج .وبالتالي فإن هناك تحالف عربي دون أن ترعاه دولة سيئة السمعة مثل الولايات المتحدة الأمريكية .
- أن مصر لا تنتظر المشاركة في مثل هذه التحالفات المشبوهة لأنه في الأساس هناك مروءة مصرية قادرة علي الدفاع عن أشقائنا العرب في أي وقت بعيدا عن تحالفات غريبة الأطوار، وبالتالي فإذا كانت طبيعته سوف تكون طبيعة دفاعية لرد الأخطار الإيرانية، في حالة تجرأت إيران وخرجت عن عقلها واستخدمت الجنون العقلي ومسها الجنون وبدأت بالاعتداء علي دول الجوار والاعتداء علي أبار البترول كما تهدد دائما باستخدام سياسة الأرض المحروقة وبالتأكيد فإن مصر وجيشها سيكونان جاهزان وبالتالي فإن عبارة الرئيس السيسي مسافة السكة ستكون جاهزة للتطبيق العملي دون اتفاقيات او الدخول في أحلاف يرعاها رجل أهوج يسعي لزيادة تمكين الكيان الصهيوني الذي يعتبر أكبر المستفيدين من فوضي المنطقة ويري أيضا أن مصر هي العقبة الكبرى في تحقيق أوهامه وإطماعه الاستعمارية .
في النهاية .. هناك سؤال مهم للغاية .. لماذا لا تنبع مثل هذه التحالفات من داخل المنطقة العربية .. ولماذا تفرضها علينا أمريكا بهذا الشكل .
الأحلاف لا تقام لعملية واحدة ولكنها تقام بين دول تجمعها ثقافة اللغة والجغرافيا والتاريخ واستراتيجيات وأيدلوجيات تتفق فيما بينها علي مواجهة تحديات معينة كما هو الحال في حلف الأطلنطي وحلف وارسوا الذي كان في مواجهة حلف الأطلنطي و يجب أن تكون الأحلاف بين أطراف متوافقة وليست أطراف متنافرة.
وبالتالي فإن انسحاب القاهرة من التحالف الذي عقد أول اجتماع له يوم الأحد الماضي بحضور الولايات المتحدة الأمريكية – السعودية – الأمارات – الكويت – عمان – قطر – الأردن – البحرين ...بعد عودة الرئيس السيسي من واشنطن بأيام قليلة أمر بديهي وعقلاني ويساير الدبلوماسية الهادئة للدولة المصرية .
أعتقد أن الرئيس السيسي ناقش هذا الأمر مع الرئيس الأمريكي ترامب وهو الأمر الذي يؤكد أن العلاقات الأمريكية المصرية قائمة علي الندية وليست علي التبعية كما كانت سائدة خلال الثلاث عقود الماضية خاصة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي في أواخر العقد التاسع من القرن الماضي وترك العالم تحت هيمنة البلطجة الأمريكية ، كما اعترضت القاهرة علي نقل السفارة الأمريكية للقدس واعتراضها علي سيادة الدولة الصهيونية علي هضبة الجولان المحتلة واعترضت علي تصفية القضية الفلسطينية وانسحابها من هذا التحالف يؤكد فشل واشنطن في احتواء مصر وأن الدولة المصرية خرجت من بيت الطاعة الأمريكي الذي كان مفروضا عليها أثناء الحقبة الفائتة .
اللهم أحفظ مصر و شعبها والأمة العربية من شر مكائد المتأمركين من آل صهيون ..