الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صاحبة تأشيرة الإقلاع.. حكاية أول مهندسة مصرية تعمل في صيانة الطائرات

المهندسة أماني النجار
المهندسة أماني النجار ومحررة صدى البلد

ليست كأحد من النساء، فمثلها قليلون جدًا أو بتعبير أدق نادرون، ربما بما رفعته دائمًا من شعارِ أنه لا فرق بين رجل وإمرأة في العمل جعلها جديرة بلقب كبير مهندسي صيانة الطائرات، لتكون أول سيدة مصرية تتعامل فنيًا مع أعطال الطائرات وصاحبة إمضاءة الموافقة بالإقلاع.. إنها المهندسة أماني النجار.

بين شهادة الجامعة ولقب كبير مهندسي صيانة طائرات، سنوات من الإخلاص والحب والتفاني في العمل، بدأت منذ إلتحاقها بكلية الهندسة جامعة القاهرة، لتكون الفتاة الوحيدة بين اثني عشر طالبًا إلتحقوا بقسم الطيران آنذاك، لتبدأ من خلاله مشوار حياتها وتحقيق حلم الطفولة بكل تحدِ مُتناسية تمامًا أنها إمرأة بين هؤلاء الرجال.

كغيرها ممن لهم بصمات مميزة في عالم الطيران بمهنهم المختلفة، نجاح جميعهم كان وراءه نفس الدافع العاشق للسفر منذ الطفولة، دون دراية أو إدراك منهم عمن سيكونوا عليهم في الكِبر ربما توظفهم الحياة حسب ميولهم الداخلية أو توظفهم الظروف، ليس هناك معيار يُقاس به لماذا أصبح هذا طيارًا وذلك مهندسًا أو مراقبًا أو مُضيفًا أو مرشدًا، ولكن الجميع كان يسعى للحاق بركب عالم الطيران ليروي ظمأ تعشطه إليه من خلال تلك النافذة المُطلة على عمله. 

في المرحلة الإعدادية تبلور لديها العشق المُطلق للسفر، وقررت أن تؤهل نفسها للإلتحاق بهندسة الطيران لتكون الفتاة الوحيدة في دفعتها، وتخصصت في صيانة المحرك والهيكل، والتي تعد من أصعب التخصصات في مجال هندسة الطائرات، ــ حد وصفها – لتبدأ بعد إنهاء سنوات الدراسة رحلة البحث عن فرصة عمل تُلبي الطموح، التي لم تكن باليسيرة حيث أن الشهادة الجامعية وحدها لا تكفي كي تحظى بفرصة جيدة، تدريجيًا بدأت الالتحاق بفرق ابتدائية للتخصص والتعامل مع طرازات الطائرات العريض منها والصغير، فتخصصت في صيانة هيكل ومحرك الطرازات العريضة من البوينج والإيرباص، واستطاعت التعامل مع 6 أنواع من الطرازات حصلت فيهم على إجازة هندسية من سلطة الطيران المدني. 

تقول "أماني النجار" – المدرس المعتمد لتدريب مهندسين الطيران ــ إن بدايات أي مهندس طيران تخصص "هيكل ومحرك" هو بالحصول على القبول المبدئي من سلطة الطيران المدني، قبل بدء عمله باجتياز الاختبارات النظرية والعملية، والتي تبدأ بمرحلة التأهيل نظريًا لمدة 4 أشهر ثم 9 أشهر عمليًا، يقضيها المهندس ما بين المحاضرات النظرية وبين هناجر الصيانة للتدريب عمليًا واكتساب الخبرة، آمنت دائمًا أن مجال هندسة الطائرات يضاهي في إطلاعه المستمر مجال الطب، لمواكبة كل جديد يطرأ على الصناعة، وتشدد على طلابها من المهندسين، قائله " ليست الأهمية أن تصبح مهندسًا ولكن لابد أن تكون مهندسًا متميزًا، وأن الخطأ غير مقبول، فأي خطأ يكون على حساب أبرياء ليس لهم ذنب سوى الوثوق في شركة الطيران الناقلة لهم". 

عملت دائمًا بمبدأ أنه لا فرق بين رجل وإمرأة في العمل، لذا هناك تجدها في هنجر الصيانة وعلي أرض المهبط تقف تحت هيكل الطائرة، وهي مرتدية "الأفرول" ــ بين 6 مهندسين من الرجال يتولي كل منهم منطقته في العمل ــ ، تقوم هي بأعمال صيانة ذاك المحرك أو تلك العجلات دون إنشغال بما يدور حولها محاولة إنجاز مهمة صيانة منطقتها دون إرتكاب أي خطأ، فتقول "إن الخطأ لدي لن يكون عاديًا وإنما سيكون خطأ إمرأة تعمل بين هؤلاء الرجال"، لتتذكر أيضًا الدعم الذي قدم لها عدد من المهندسين حينما كانت في بداية حياتها العملية وأيضًا من صدروا إليها رسائل إحباط، لتكون على قدر ذلك الدعم والتحدي، بتحمل مسئولية إمضائها على السلامة الفنية للطائرة. 

وتوضح المهندسة أماني النجار، أنه لا يوجد مهندس بمفرده يقوم بأعمال الصيانة للطائرة كاملة، وإنما يكون هناك ما بين 5 إلى 6 مهندسين، يتولى كلا منهم صيانة جزء تخصصه، فهناك تخصص الكهرباء وهناك العدادات، وأيضا هيكل ومحرك، موضحه أن الفريق يعمل في انسيابية تامة على أرض المهبط لإنجاز العمل بأفضل صورة ويتحمل كل مهندس المسئولية الفنية لجزء الصيانة الخاص به. 

تحمل مسئولية طائرة ضخمة ليست بالأمر الهين، قد يتسبب خطأ في الإطاحه بمستقبل مهندس الطائرة، فغير مسموح مع أرواح الركاب، لذا لابد أن تكون نسبة الخطأ "زيرو".. هكذا وصفة جدية عملها. 

قالت إن هناك كشوفات على الطائرة من قبل المهندسين، قد يستغرق يومين وآخر شهر داخل الهنجر فهناك من الأجزاء المعقدة داخل جسم الطائرة، وبعد الانتهاء من الصيانة وتم الامضاء يتم استخراج تقرير نهائي لدخولها الخدمة، مُشيره أيضا إلى الفحصوات الدورية حسب عدد الساعات والأميال فكل جزء بالطائرة له قصة وفلسفة مختلفة يكون مفتاحها لدى المهندس، فضلا عن الفحص قبل كل رحلة للاطمئنان على السلامة الفنية للطائرة. 

وأشارت أنه لدى كل شركة طيران فريق غير مهندسي الصيانة يتابع حالة أجزاء الطائرة ويفحصها ويصدر قرار بإدخالها الصيانة، وبناء عليه يقوم مهندسي الصيانة بتنفيذ سياسة الشركة المصنعة سواء بوينج أو إيرباص، واعتبرت أن منطقة العجل والمحرك في الطائرة من الأجزاء التي لا تحتمل الخطأ يتم اتخاذ قرار بتجديدها على الفور. 

ورغم أعمال الصيانة الدائمة والغير منقطعة على أجزاء الطائرة، أحيانًا يحدث أعطال مفاجئة أو ربما هبوط اضطراري في المطار لطائرة عابرة أو عودة طائرة بسبب عطل فني، يكون المهندس في كامل تركيزه وهيئته للتعامل مع العطل لإصلاحه في أقل وقت ممكن كي تستأنف الطائرة رحلتها. 

وتؤكد "كبير مهندسي صيانة الطائرات"، أن نحو 99% من مشاكل الطائرات يستطيع المهندس حلها والتعامل معها برجوعه إلى الأوراق الخاصة بالطائرة والتي تعود إلى الشركة المُصنعة، مؤكده أن مصر لديها أقوى مهندسين طيارين من ناحية العلم والأداء المنضبط، فضلا عن هناجر الصيانة المزودة بأحدث الأجهزة والمعدات، حيث أنها تدربت على طرازات البوينج خارج البلاد، وتعي تماما مدى جاهزية معدات وأجهزة الصيانة لدينا، فضلا عن أنها دربت العديد من المهندسين العرب والأفارقة تخصص "هيكل ومحرك" بالتواجد في القاهرة أو السفر في بعثات برفقة مهندسي صيانة مصريين. 

بجانب هذا المشوار من التحدي والنجاح في المُضي قدما نحو حياتها العملية، تقف على الناحية الآخر، أسرتها الداعمة لها منذ اللحظات الأولى بوالدتها حينما التحقت بالجامعة، وبعدما أنجنبت أطفالها بعد الزواج لم تحصل على إجازة رعاية طفل واكتفت فقط بالثلاثة أشهر الأولى في حياة طفليها دون كلل أو تعب، لم تمثل لها أعمال الصيانة الفنية بالساعات في أوقات غير محددة أي عبئ، بل أن الأعمال الإدارية أوالمكتبية وصفتها الكابوس الأكبر لها، فهي ترى الشغل العملي ذات رونق وطابع خاص تحفز إليه المهندسات المتدربات دائمًا. 

"أماني النجار" ليست السيدة الوحيدة التي درست هندسة الطائرات، ولكنها التي انفردت بالعمل الفني به، فالجميع يهربن إلى الأعمال الإدارية، أو يقفن في منتصف الطريق قبل اقتناص الفرص الثمينة، هي واصلت حتى أصبحت كبير مهندسي صيانة طائرات، ومدرس معتمد من سلطة الطيران المدني لتدريب المهندسين وممتحن لهم على طرازات البوينج والإيرباص الحاصلة على إجازة هندسية بهم منذ قرابة 14 عاما.