قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

كان الطرف الأقوى..معاهدات الرسول مع الضعفاء لنشر السلم والتعايش

السلام
السلام

شهدت حياة النبي توقيع عدة نماذج للمعاهدات السياسية ، مع بعض الكيانات النصرانية في الجزيرة العربية والشام، ولعلَّ هذه المعاهدات لم تنل شهرة ما وُقِّع مع يهود المدينة؛ نظرًا لأن اليهود كانوا في قلب أحداث السيرة النبوية، بخلاف النصارى وغيرهم.

نستعرض في هذا التقرير المعاهد التى أبرمها الرسول مع غير المسلمين في الوقت الذي كان فيه المسلمون الطرف الأقوى فيها ولم يكن هناك تكافئ أو مصلحة ترجى من إبرام تلك المعاهدات، ولكنها أكبر دليل على أن الهدف الأسمى منها لم يكن إلا نشر السلم والتعايش والتقارب بين كل البشر ما دام هناك سبيل إلى ذلك وبشتى الطرق.المعاهدات مع يُحَنَّة بن رؤبة

كان من أصداء قدوم أكيدر دومة الجندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، وما أظهره الرسول صلى الله عليه وسلم من عفوٍ وحُبٍّ للسلام وحقن الدماء؛ أن أتاه يُحَنَّة بن رؤبة ملك أيْلة وما حولها، وكان هو الآخر نصرانيًّا، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في تبوك.. وقد روى جابر رضي الله عنهما قال: رأيتُ يُحَنَّة بن رؤبة يوم أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية، فلمَّا رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم كفَّر( وأومأ برأسه (أي: طأطأ رأسه خضوعًا ووضع يده على صدره)، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «ارْفَعْ رَأْسَكَ». وصالحه يومئذٍ وكساه بُردًا يمانيًّا.

إن ما قابل به النبي صلى الله عليه وسلم يُحَنَّة لدليل على رغبته صلى الله عليه وسلم في إبرام الصلح بالشكل الذي يحفظ كرامة الآخر؛ فقد جاء الرجل مرتديًا صليبًا، ولم يُعَنِّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يأمره بخلعه، لكي لا يشعر الرجل أنه في حضرة هرقل مثلًا، بل أمره الرسول صلى الله عليه وسلم برفع الرأس؛ دليلًا على رفعة شأنه عند المسلمين؛ فيعلم الرجل أن الصلح مع المسلمين الأقوياء المنتصرين على الروم ليس مذلَّةً ينبغي له ولقومه أن ينقضوه عندما تسنح لهم فرصة، بل هو عهد صادق مع قوم أوفياء يحترمون الآخر، فينبغي الإسراع بإبرام هذا العهد، والعَضُّ عليه بالنواجذ.

وقد كان نصُّ الصلح كما يلي: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللهِ، ومُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ لِيُحَنَّةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ، سُفُنُهُمْ وَسَيَّارَتُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لهُمْ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ.. وَإِنَّهُ طَيِّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ.. وَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلاَ طَرِيقًا يُرِيدُونَهُ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ».

والملاحظ هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الأمان لسفنهم وسيَّارتهم في البر والبحر، والرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون هم خير مَنْ يُوَفِّي بعهده، والمعروف أن أيلة على ساحل البحر الأحمر، ولا بُدَّ أن قومه أو جزءًا منهم على الأقل يعملون بالصيد، والمسلمون حتى هذا الوقت لم يستخدموا البحر إلاَّ في الهجرة إلى الحبشة؛ فالبحر لديهم مجهول، وهم ليسوا بارعين في الإبحار فيه، ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يُحَمِّل نفسه والمسلمين عبئًا خطيرًا ثقيلًا؛ وهو حماية أهل أيلة في البحر، وهذا يقتضي استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لبناء أسطول بحري وتجهيزه متى حصل اعتداء على أهل أيلة، وفي ذلك من الجهد والإنفاق الضخم والمخاطرة ما فيه؛ لقد تحمَّل الرسول صلى الله عليه وسلم كل هذا العبء من أجل أن يعيش المسلمون مع مَنْ حولهم في أمان وسلام.

كما نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم تكفَّل بالسماح لهم بورود كلِّ ماءٍ تعوَّدُوا على وروده، وهذا يقتضي ليس عدم منع المسلمين لهم فقط، بل محاربة أي عدوٍّ آخر يُحاول منعهم عن مصادر المياه، وهذا جهد ضخم، وحِمْل جسيم يتحمَّله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من أجل إقرار السلام في هذه المنطقة مع قومٍ لا يُؤمنون بالإسلام، ولا بنبيه صلى الله عليه وسلم.المعاهدات مع أهل جرباء وأذرح

وبالمثل عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى جرباء وأذرح فقد جاء في كتابه صلى الله عليه وسلم لهم: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ لأَهْلِ أَذْرُح؛ أَنَّهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللهِ وَمُحَمَّدٍ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مِائَةُ دِينَارٍ فِي كُلِّ رَجَبٍ وَافِيَةً طَيِّبَةً، وَاللهُ كَفِيلٌ عَلَيْهِمْ بِالنُّصْحِ وَالإِحْسَانِ لِلمُسْلِمِينَ».

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمَّل هنا مسئوليات ضخمة في توفير الأمان لقبائل ضعيفة، قليلة العَدَد، هزيلة الغَنَاء عن المسلمين مقابل مبلغ زهيد لا يُساوي شيئًا؛ وذلك من أجل ضمان السلام مع كل مَنْ يُحيط بالمسلمين.