الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحضارة بين العين والكفاية!


فى مقالات سابقة ناقشت بعض أسرار الحضارة الغربية.. واليوم فى عود على بدء، أُضيف لما سبق من الأسرار سرًا جديدًا وهو أن مجتمع الغرب تعلم قيمة مهمة جدًا ، ثم طبقها بمنتهى المهارة والاحتراف ، حتى أثمرت التجربة النهضوية لديهم خير الثمار،وذلك بالتحول من فكرة فرض الكفاية إلى فكرة فرض العين.

وللشرح المختصر : فرض العين فى العقيدة الإسلامية مثل الصيام فى رمضان ومثل الصلوات الخمس اليومية؛مفروضة على كل إنسان مسلم بالغ عاقل بذاته لا يؤديها أحد عن أحد وهذا الفرض عظيم الثواب وعقوبته يوم القيامة عقوبة مغلظة و هناك أشياء تطوعية تسمى نوافل كما فى صلاة السنة وهى تشبه الفرض تماما لكنها غير مفروضة و أداؤها يدخل فى باب التطوع ، لكن هناك فروضا أُخرى تسمى فروض الكفاية مثل صلوات العيد وصلاة الجنازة و الدعوة والأمر بالمعروف و النهى عن المنكر إلى آخر تلك الفروض؛ وسميت فروض لأهميتها وكفاية لأنه يكفى أن يؤديها عن الأمة الأسلامية شخص واحد فتسقط عن بقية الأمة.

 وما أردت هنا أن أتحدث فى مسائل فقهية أو شرعية إلا لأضرب المثل بُغية أن أوضح المعنى فى أن الغرب فى معرض نهضته اختار أن يكون العلم المدقق وإتقان العمل فرض عين على كل إنسان فدربوا أولادهم على ذلك فأصبح العلم والعمل المتقن أسلوب حياة وفى نفس الوقت طاقة مستعرة الجذوة تضىء الطريق وتقود المسيرة الحضارية . فعندما يكون العلم المدقق والعمل المتقن عقيدة و فرض عين ستؤديه بغض النظر عن العائد المباشر، فكما أن مُلكُك وغَناك وقوتك أو ضعفك لن تسقط عنك الصلوات المفروضة فرض عين فى الدين الإسلامى ، كذلك فهو لن يسقط عنك فريضة طلب العلم ولن يمنع عنك الحرج اذا تقاعست فى إتقان العمل كما فى دين الغرب وورؤية مجتمعهم الذى تصالح فيما بينه على أن يحسن اختيار فروض العين ، ولذلك تجد فى الغرب أن الجميع ، حتى أولاد الأغنياء و بإشراف مؤسسي من الدولة و الجامعات والمدارس والمعاهد، حريصون كل الحرص على ترسيخ ذلك الفرض فيمارسون علي الطلبة فى المدارس والجامعات منهج التفكير والبحث لتدقيق العلم وفى نفس الوقت يفرضون عليهم كواجبات موسمية أن يعملوا فى فترات من العام فى أى عمل وأن يعودوا بشهادات من جهة العمل تؤكد أنهم أدوا ما عليهم أحسن أداء ممكن ويضاف ذلك إلى تقديراتهم وربما يكون شرطا رئيسا لاستكمال الدراسة فى بعض المؤسسات التعليمية.

ومن هنا يجب أن ننتبه إلى الخطاب الذى يقوله المثقف والداعية المصلح وكيف يتم تبنيه قوميا و الترويج له فى مؤسسات الإعلام بفطنة واحتراف وفى الأعمال الدرامية والسياقات التنويرية المباشرة و غيرالمباشرة و كيف يتم تطبيقه عمليا فى مؤسسات التربية والتعليم حتى تصبح ثقافة ويتحول العلم المدقق والعمل المتقَن من مجرد مفاهيم وقيم جمالية منثورة نزخرف بها الخطب والعظات ، إلى أساليب حياة تشق لنا بحر النجاة كعصا موسي وتُعَبد لنا الطريق نحو الرقى والتقدم ،، فإذا كان المال النصف الثانى للأمم ، فالعلم نصفها الأول كما قال أمير الشعراء أحمد شوقى : 

بالعلم والمال يَبنى الناسُ مُلكهم لَم يُبن مُلك على جهل وإقلالِ .., كَفانى ثَراء أنى غير جاهلِ ، وأكثر أرباب الغنى اليوم جُهَّال.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط