الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مفهوم الظالم والمظلوم


يظن المرء أحيانًا أنه مظلوم وقد يكون في واقع الأمر هو الظالم، ولكنه يقيم الأمور وفقًا لرؤيته وقد تكون تلك الرؤية محدودة، وقد تكون انحيازية، فقد ينحاز المرء لنفسه ويبتعد كل البعد عن ميزان العدل الحقيقي، فيحلل الأمور وفقًا لمصاله الشخصية ويصدر الحكم على الآخرين ويحيا حياته بائسًا ولاعنًا للشخص الذي وضعه في خانة الظالم، ولا يحاول أن يجلس مع نفسه ويعيد دراسة الموقف الذي جعله يشعر بالظلم، ويُقَيِّم الأمور من جميع الجوانب ليصل إلي الحقيقة التي قد يكون غافلًا عنها.

أحيانًا أخرى يكون الظلم بَيِّنا وواضحا ولا يحتاج لشرح أو توضيح ويظهر للجميع مَن الظالم ومَن المظلوم، عندما ينتزع الظالم حقوق المظلوم عنوة وفِي أمور محسومة، فيسهل الحكم عليها ويستطيع بوضوح أي إنسان أن يقيم الظلم ويدرك الظالم والمظلوم.

أما عندما يكون الظلم بين الأفراد في العلاقات الإنسانية وليست المادية يصعب الحكم على الطرفين، ولا يمكن تحديد الظالم بسهولة ويسر، فأحيانًا يكون رد الفعل الذي يراه الناس ظلمًا نتاجًا طبيعيًا لفعل المظلوم لفترات طويلة، فتُغَيِّر تلك التراكمات ردة فعل الطرف الآخر ويتحول مشهد المظلوم إلي مشهد الظالم وقد يكون في باطن الأمر ما يفعله هو قمة العدل.

عندما نراقب آيات الذكر الحكيم ونتأمل القصص القرآني نجد أن كل نبي مذكور في الكتاب قد مر بتجربة وابتلاء شديد، أحيانًا بالمرض وأحيانًا بِاْليُتم وأحيانًا أخرى بابتلاءات في الأهل والزوجة والولد، من أبرزها قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي ظُلِم علي يد والده وعشيرته، فأمره المولى عز وجل بالهجرة، وعلى الرغم من رغبة إبراهيم عليه السلام في الاستغفار لأبيه إلا أنه تبرأ منه عندما أيقن كفره وعداوته للمولي عز وجل "وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ".

إذا نظرنا من وجهة نظر إبراهيم نجده يهجر والده هروبًا بدينه وإيمانه من سطوة الأب وكفره، وفِي نفس الوقت يظن الأب في إبراهيم ظن السوء ويعتبره ابنا عاقا والده وهجره وكفر بآلهته، وقد يختلط الأمر على البعض بين بر الوالدين وهجرهما حفاظًا على الدين، فالمولى عز وجل أمرنا بالبر ولكن عندما يتعارض البر مع الحفاظ على الدين فلا حل سوى الهجرة في سبيل الله.

والتناقضات كثيرة في القصص القرآني بين ما فعله بعض الأنبياء وبين المفهوم الإنساني للعلاقات بين البشر كما حدث مع نوح على سبيل المثال، عندما سأل الله أن ينقذ ابنه من الهلاك "وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، وأمتثل نوح لحكم ربه وتمسك بإيمانه وترك ابنه، إذا تناولنا الأمر من وجهة النظر الانسانية نجد من الصعوبة أن نتقبل ترك أحد أبنائنا ليهوي في طوفان مدمر، ولكن نوح تركه عندما تبين له أنه عمل غير صالح، ففر بدينه واستغفر ربه.

كل امرئ يحكم وفقًا لقناعاته وتمسكه بإيمانه، ويبقى الفيصل بين الظالم والمظلوم هو حكم المولى عز وجل، فهو علام الغيوب الذي يعرف خبايا القلوب ونوايا البشر، فلا نستطيع أن نصدر أحكامًا مطلقة بين البشر، فقد يكون من نراه ظالمًا هو المظلوم في الحقيقة، وفقًا لحكم إله عادل يزن الحق بالموازين الإلهية وليس بموازين البشر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط